الخميس، 27 أغسطس 2009

النظام السياسي للدول العربية من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين

بقلم الأستاذة: فاطمة الزهراء طــــــــــــوبال
بسم الله الرحمان الرحيم
"إنّ الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
سورة الرعد-الآية11
إهداء
إلى من علماني رفع القلم ، وزرعا في صدري روح المقاومة و مجابهة المحن .
إليكما نغمة فؤادي و عطر استنشاقي ،
يا من جعلتما أمر جمعي لهذه المادة التاريخية أمرا ممكنا ، فذللتما لي صعوبة الحياة.
إليكما حبيباي أمي و أبي .
أهدي ثمرة جهدي هذا
تنويــــــــــه
أود بداية أن أنوه بكل من ساعدني من قريب أو بعيد على إخراج هذا البحث إلى النور و أذكر على سبيلهم ما يلي:
1- عمال مركز التوثيق الاجتماعي و الاقتصادي المسمى بمكتبة " صوفيا " و الواقع بحي العربي بن مهيدي.
2-مسؤولوا مركز البحث الوثائقي الواقع بحي" الجنرال بودوا".
3- عمال مركز البحوث في الإعلام الوثائقي للعلوم الاجتماعية و الإنسانية و الواقع بحي" ميرامار".
4- مسؤولوا مصلحة الدوريات للمكتبة الجامعية المركزية.
5- مسؤولة مكتبة مركز الإعلام الإقليمي للجيش و الواقع " بساحة أول نوفمبر".
6- مسؤول مكتبة معهد اللغات الأجنبية، جناح اللغة الإنجليزية.
7- مسؤول مكتبة متحف المجاهد لولاية وهران و الواقع " بحي جمال".
8- مسؤولة مصلحة الأرشيف " لجريدة الجمهورية الجزائرية " لولاية وهران.
9- مسؤولة مصلحة أرشيف الولاية لولاية وهران
.10-مسؤول مصلحة الإعلام الآلي لمعهد الحقوق لجامعة وهران
المقدمة
يتناول موضوع هذا البحث مجموعة قضايا عربية معاصرة و التي عني بدراستها الباحثون عناية فائقة حيث صارت شغل شاغل الدارسين الذين ألفوا في شأنها مؤلفات عديدة تناولوا فيها أهم الأحداث التاريخية و السياسية للألفية الثالثة و في حقيقة الأمر اقتصرت تلك الدراسات على الجانب السياسي ليكون موضوعا شاملا يفتقد لكثير من التعمق و التغطية من الناحية الفكرية بصفة خاصة.
و مهما كان الاهتمام كبيرا في تناول هذا الموضوع فإن الباحث يلاحظ بعض النقائص في بعض من جوانبه الشكلية
و محتواه العلمي و لهذا فكرت في الخروج بمحاولة جادة جمعت فيها ببعض الدراسات التي تتوفر بكثرة في ولايتنا وهران لدرجة حرت فيها أيها أنتقي، إذ أن الكثير منها تناولت أحداث الدول العربية المعاصرة من خلال الشكل كما سبق و أن ذكرت مثل كتاب" القانون الدستوري و الأنظمة السياسية " لمؤلفه أحمد محمد جمال و كتاب " النظم السياسية " لمؤلفه محمد كامل ليلى، حيث نلمح من خلال دراستهما القانونية تبيانا للنهج العملي الذي تسير عليه الدولة إلا أنني لا يمكن أن أغض الطرف عن بعض الأبحاث التي صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية حيث كان للمؤلفين الذين ساهموا بمواضيعهم العلمية محاولات جادة في دراستها دراسة نقدية تحليلية مثل كتابات أسامة أمين الخولي و المعنونة « بالعرب و العولمة " و تلك المعنونة أيضا " بتأملات في تجربة العلمية التقنية".
هذا، وكما أجد في كتابات المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله رؤى مستقبلية و تطلعات للأنظمة العربية في ضوء النظام الدولي الجديد، و نفس الأمر ينطبق على ما أصدره المفكر الجزائري رابح لونيسي من دراسات تحليلية تتمحور مجملها في كيفية إيجاد الحلول داخل العالم الإسلامي للخروج من التخلف و يظهر ذلك جليا في كتابه المعنون " بالبديل الحضاري " و الذي استهله بنشأة الرأسمالية العالمية و توسعها لينتقل فيما بعد إلى الحديث عن نشأة التخلف في العالم الإسلامي مبرزا فيه مجموعة نظريات تبحث عن أسباب هذا التخلف و في الأخير تطرق إلى اقتراح أهم الحلول التي تقضي على كل ما هو سجالا إيديولوجيا لا يؤدي إلا إلى النتائج العقيمة.
و الملاحظ أن الاهتمام بدراسة معظم هذه القضايا، ظل متداولا بين المختصين و الباحثين حيث لا يمكننا إغفال المقالات التي نشرت في مجلات علمية مثل تلك المعنونة " بالصراعات الحدودية في الوطن العربي " لصاحبها قاسم الدويكات إذ نشرت في مجلة راية مؤتة فأصدر فيها دراسة علمية جادة موضحا فيها أهم أوجه أسباب تلك الصراعات و التي كثيرا ما كانت تعيق مسار الدول العربية على التقدم و مواكبة العصرنة، و لإثراء البحث بوجهات نظر مختلفة كان لابد لي أيضا من الاستعانة بمراجع أجنبية مثل:
« Le Fis et le pouvoir » par Abdelkader Harichane
كما استعنت بأرشيف الولاية لولاية وهران من أجل الاستزادة من الإطلاع على بعض القضايا المهمة و التي تمس تاريخ نظمنا السياسية العربية في الفترة المعاصرة.

و تتمحور إشكالية بحثي هذا، حول إمكانية إيجاد الحل الأنسب للحد من الكوارث التنظيمية التي صارت حديث العديد من المحللين السياسيين في الفترات الأخيرة حول نظام الدولة العربية و للحد من أي ضعف أو عيب قد يصيبها.
دولة خالية من العيوب إن صح التعبير و إن كان هذا الإشكال سيدخلني في دوامة الصراع الدائم بين الحقيقة و الخيال فإن ذلك لا يمنعني من إثارة الموضوع بضرب من المجازفة العلمية هدفها الوحيد تحصيل الحقائق التي أخضعتها للمنهج التحليلي و الذي يعتمد على جمع مواد علمية تاريخية متعددة مع مقارنتها و تشريحها و تقديم محاولة نقدية من خلالها و إني بذلك لا أدعي الكمال لبحثي هذا بل ما توصلت إليه من حلول لابد و أن يخضع إلى النقد الموضوعي حيث لامناص من وجود نقائص فللعلم درب طويل لاينتهي، و ما توفيقي إلا من عند الله.

المؤلفة: فاطمة الزهراء طوبال مدينة وهران يوم:31/10/೨೦೦೬
مفاهيـــــــــــــــم

1/مفهوم الدولة و تشكيلها: لا شك في أن مفهوم الدولة يعني القوة التي تملك سلطة التصرف في صلاحيات المؤسسات التابعة لها، كما تعد في الواقع ذلك الحاكم الذي يخضع أفراد المجتمع لنظامه لأي شكل من الأشكال فهي بذلك
" تحتكر الاستعمال الشرعي للإكراه " (1)، ويتفاوت المدلول الاصطلاحي للدولة بين الحضارتين العربية الإسلامية
و الأوروبية الغربية ذلك أن هذه الأخيرة نتجت بفعل ردود عنيفة تجاه الأنظمة الإقطاعية التي سادت مرحلة العصور الوسطى بين القرنين 11و12الميلاديين و تفشي الفوضى التي ارتبطت بمسألة ملكية الأرض فقد كان الناس يفكرون ويتحدثون " بمصطلحات السيادة الإقطاعية و الأملاك و كان لفظ السيادة الإقطاعية يوحي على الفور بحق ملكية الأرض كموضوع النزاع و الحق في حكم الناس الذين يعيشون عليها " (2)، ولعل هذا ما جعل ماكيافيلي* يصور في كتابه "الأمير" الذي ألفه في ق 16م صفة الدولة التي رأى بأنه لابد على حاكمها أن " يكون رجل حرب، و الحرب يجب أن تكون صناعته الأولى و عليه ألا يبالي إذا اتهم بالقسوة حينما يلجأ إلى أعنف الطرق في إخضاع رعيته " (3).
فالتصور الماكيافيلي لسياسة الاستبداد، تقوم على المطالبة بالقوة و القسوة و العنف وهذا لا يتوافق مع المدلول الاصطلاحي للدولة في مفهوم الحضارة الإسلامية و التي سادت فيها مصطلحات: الطاعة و الولاء و المشورة الجماعية و التي ميزت عهد الخلفاء الراشدين.
ويتضمن مفهوم الدولة الحديثة شكل الفصل بين السلطة السياسية و شخصية الحكام، ولا يتم قيامها إلا بقيام مجموعة أركان أساسية تميزها و على رأسها " الشعب " الذي يضم مجموعة من السكان يعيشون فوق إقليم واحد، وينقسمون إلى المهاجرين الذين يتمتعون بحق الإقامة و الجنسية و الأصليين الذين لهم حقوق وواجبات ملزمون بأدائها تجاه دولتهم.
ويتمثل الركن الثاني في الإقليم، بحيث يشكل هذا العنصر رقعة جغرافية محددة تميزه ديمومة الاستقرار عليه و بالتالي فهو يتشكل من إقليم أرضي و ما يتضمنه من تضاريس و أبرزها السهول و الإقليم المائي و الذي يمثل حدود سواحل الدولة البحرية، و لذلك تؤسس الدول ما نسميه بقوات الدفاع الجوي أو البحري عن الإقليم وتستخدم له كل التقنيات و كثيرا ما يتم تبادل التجارب بين الدولتين كما جرى في الجزائر أثناء رسو الأسطول السادس الأمريكي في المياه الإقليمية الجزائرية سنة 2002 لتجسيد تبادل الخبرات الفنية بين القوتين بواسطة المدمرة أمريكية ** و سنة قبل ذلك أقيم ما يسمى بالتمرين التقييمي رعد2001للقوات الجوية للتمكن من رصد أحدث التقنيات التي تمكن هذه القوات من الدفاع عن الإقليم (4) وهذا كله ندمجه في إطار أركان الدولة و مميزاتها(5).
وما ينبغي أن أشير إليه هو أن الدولة تتفرع إلى خاصيتين، فمنها الدولة المركزية وهي موحدة من حيث جهازها الحكومي و دستورها، أما الشكل الثاني للدولة فيتمثل في الدولة اللامركزية و التي تعني عند أحمد سرحا ل " توزع مراكز اتخاذ القرار لا سيما على مستوى المسائل الإدارية و منح هذه المراكز و الهيئات التي تديرها قدرا معينا من الاستقلالية و إخضاعها إلى وصاية تمارسها هيئات وسطية تمثل السلطة المركزية "(6).
و بالتالي فإن الاختلاف بين الحالتين يبرز في كيفية إصدار القرارات و ممارسة السلطة السياسية في الدول العربية بصفة خاصة.
و يختلف مفهوم الدولة عن مفهوم الحكومة ذلك أن هذه الأخيرة تتمثل في شكل السلطة التي تمارسها الدولة و يتحدد مضمونها في عدة أشكال فمنها التي لا تتقيد بأحكام القانون و يطلق عليها بالحكومة الاستبدادية و منها التي لا يصدر عنها أي قرار من القرارات إلا تبعا لقواعد القانون و هذه تسمى بالحكومة القانونية و من هذه الأخيرة نجد إنجلز ***يبني نظريته في المفهوم السياسي للدولة بقوله:"ينشىء المجتمع لنفسه جهازا في سبيل الدفاع عن مصالحه العامة ضد الاعتداءات الداخلية و الخارجية، وهذا الجهاز هو سلطة الدولة، ما أن يولد حتى يستقل عن المجتمع لا سيما و أنه يصبح بالأولى جهاز طبقة معينة و يغلب مباشرة هيمنة هذه الطبقة " (7).
فالطبقة التي يقصدها انجلز هنا هي السلطة الحاكمة التي تسعى للحفاظ على مصالح الشعب، قائمة باحتياط دفاعي ضد كل ما يسبب خطرا على الدولة فلذلك فهو يحصر العمل السياسي وفق طبقة معينة و لعل هذا ما ذهب إليه أحمد زايد في تمييزه لنظام العالم الثالث السياسي إذ رأى أنه: " ينحصر في نقص المشاركة السياسية للأفراد و ضعف مستوى الثقافة السياسية لديهم "(8).
و بذلك أستنتج من قول هذا الأخير أن الممارسة السياسية للنظام السياسي في الدول العربية يتميز بتباعد العلاقة بين الحاكم و المحكوم و بذلك أرى أنه صحيح ما ذهب إليه أحمد زايد، إذ كان العمل السياسي ينطوي على الحكام فقط، إلا أنه و مع الألفية الثالثة شكلت ممارسة السلطة السياسية تقاربا ملموسا بين الدولة و المجتمع، خاصة في ضوء الآونة الأخيرة التي شهدتها التجربة الجزائرية من خلال فتح مساحة الحوار و التي كونت بعدا نظريا يوحي إلى أن هذه السلطة التي تمارسها الدولة الحديثة هي سلطة الشعب بحيث يبرز في الفصلين الثاني و الثالث من الباب الأول و الخاص بالمبادىء العامة التي تحكم المجتمع الجزائري من خلال مشروع تعديل الدستور لسنة 1996 نص من المادة السادسة له ينص أن :" الشعب مصدر كل سلطة " (9) ، و نفس الأمر ينطبق على الفصل الثالث من المادة 11 : " تستمد الدولة مشروعيتها و سبب وجودها من إرادة الشعب ، شعارها بالشعب و للشعب و هي في خدمته وحده "(10).

دلالة الدولة المعاصرة:
قال آرسطوا: " إن الإنسان لا يبلغ كماله إلا في إطار الدولة "
من خلال هذا استنتجت بأن مجتمع القانون هو الذي يجعل الفرد يحس بشخصيته و كيانه، ما دامت هناك نصوص تحفظ له حقوقه، فنظرية العقد الاجتماعي (1762) لجون جاك روسو تبرز أن الإنسان بامتلاكه لنزوة فطرية ولدت معه تدفع بأنانيته الغريزية إلى الاستحواذ على كل ما هو موجود و هذا طبيعي في النفس البشرية و لذلك وجب الحد من هذه الفطرة أو النزوة و ذلك بإقامة عقد خاص تتقرر فيه الحقوق و الواجبات لأفراد المجتمع الواحد و بذلك يرى روسو بأن هذا العقد هو أساس قيام الدولة.
حقيقة لابد من التحكم في الأفراد عن طريق وضع قوانين تقويمية، تحد من تجاوزات الأفراد الفطرية، إذ أصاب روسو في اقتراح هذا العقد الذي يعتبر بالنسبة له " ميلاد الدولة " الذي يضمن الحقوق لأصحابها و لقد تجسد هذا المفهوم أيضا في دولة الرسول (صلعم) و الذي" كثيرا ما وفق في بعث روح الوحدة بين القبائل المتناحرة، هذا لعدله إذ كان يدعوا إلى حفظ الحقوق يومها قال: " و إنكم ستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، و قد بلغت...... فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها "(11).
و بذلك تتخذ الدولة نظام التناسق و الإتحاد بين أفراد المجتمع الواحد، فتكون الدولة موحدة و قد يتوسع مجالها لتشمل مجموعة من الأقاليم المتحدة و هو ما يعرف حاليا باسم الدولة الفدرالية**** "(12)، و يكون ذلك من أجل التغلب على أشكال التخلف.
هذا، وكما أن الدولة المعاصرة تعتمد على شكل من أشكال الجماعات التي تؤثر في اتجاهاتها السياسية فمنها الأحزاب التي تجتمع على تحقيق هدف ما و لمبدأ واحد اتفقت على تحديده.
المصطلحات السياسية المعاصرة ( الإستراتيجية ، الإيديولوجية ، القومية ):
إن الدولة العربية في المفهوم الحديث، دولة تتماشى و التبدلات التي يجسدها العصر في الواقع، و من ذلك فإن كثير من المفاهيم السياسية تشترك في اصطلاح واحد إن لم أقل أنها اللغة التي يتم بواسطتها التواصل بين رجال السياسة ليتم بذلك تبسيط الفهم الخاص بالنظام السياسي للعالم.
فلو نأخذ الإستراتيجية مثلا كمفهوم عام فإنه يشيع في الساحة الدولية و العربية خاصة بأنها الاتفاق المتبادل بين الأطراف المعنية في مجال ما لتحقيق أهداف اقتصادية و سياسية، و ترتبط الإستراتيجية بكل ما يخص الأمور العسكرية و بذلك يحددها أحمد محمود السيد بأن لفظ إستيراتيجوس كلمة يونانية تعني قائد الجيش " (13).
هذا ، وكما أن مصطلح الإيديولوجية السياسية يأخذ بعدا فكريا بحيث يختص بوجهات نظر حول قضية من القضايا السياسية و ينفرد بها صاحبها في اتجاهه المضاد لاتجاه آخر يخالفه الرأي و بذلك نلمس بأن الإيديولوجية تتفق و القومية التي تأخذ الدين أو الجنس كمقياس تميز به نفسها على غيرها من الأمم إذ يعاكس هذا المفهوم ما يسمونه حاليا بالعولمة التي تفرض على العالم الاتجاه نحو نظام واحد مهما تعددت جنسياتهم و قومياتهم و دياناتهم فهي بذلك تنبع من الرأسمالية الغربية أو كما حددها مجا ود محمد :" بأنها نتاج للتطور التاريخي لنموذج الرأسمالي ، بنيت على أساس التطور التكنولوجي الذي عرفته البلدان المتقدمة في المجال الصناعي " (14) ، و إن دلت على شيء فإنما تدل على استراتيجية السيطرة و التوسع التي يخطط لها الغرب من خلال نظامه السائد ، بينما يبدوا من المعقول جدا نفي هذا الطرح الذي لا يدل دلالة حقيقية في معناه إيجاد قالب شامل للعالم للجمع بين الأقوام البشرية.
هذا، وكما أن مفهوم " الأمة " قد أفرز تضارب الآراء و تصارعها بين القبول و الرفض، ذلك أن البحث في تأكيد الذات و الهوية الشخصية أثار نزاعات محلية و داخل الدولة العربية التي كثيرا ما طرحت مفهوم الأمة بمقاييس متعددة و أبرزها اللغة و من هذه الفكرة يجرني الحديث عن الأزمات السياسية التي شهدتها الجزائر أثناء أحداث ماي 2001م و المتزامنة مع إحياء الربيع الأملزيغي، إذ أن الأوضاع المتوترة التي تميزت بها منطقة القبائل المعارضة للنظام الجزائري و الذي طرح فكرة الدولة بمقياس اللغة العربية، و بالتالي تسبب هذا في تفكيك الوحدة البنيوية التي ولدت مع اندلاع الثورة النوفمبرية المباركة سنة 1954م، إذ أنني ألمس المقاربة العلمية لهذا الطرح من طرف الباحث الجزائري رابح لونيسي بحيث أوافقه فيما ذهب إليه على أن " النظام الجزائري بالغ في الحديث عن ( الجزائر العربية الإسلامية ) بدل الاكتفاء فقط ( بالجزائر الإسلامية ) معتبرا في ذلك بأن " الإسلام هو العنصر الذي يمحوا كل الحزازات و الانتماءات العرقية و يوحد فعلا الشعب الجزائري " ( 15).
و بالتالي فإن طرح مفهوم الأمة أو القومية بمقياس اللغة هو أولى أسباب التشتت و الانقسام و توتر الأوضاع.
و لعل هذا ما أرادته فرنسا الإستدمارية لما طرحت فكرة " فرق تسد " ليتسنى لها فيما بعد استغلال الشعوب بكل سهولة.
و بالتالي فلابد من تحديد المفاهيم تحديدا علميا دقيقا مع الحد من الاستخدام المغشوش و الغير السوي لها سواء كان استخدامها شفهيا أو كتابيا فيترتب عن هذه المفاهيم الدقة في الصنع و التخطيط الموضوعي التام.

هوامش الفصل الأول

1- نقلا عن، محمد أرزقي نسيب – أصول القانون الدستوري و الأنظمة السياسية – ط1- 1998- الجزء الأول –ص44.
2- موريس كين – حضارة أروبا العصور الوسطى – ترجمة قاسم عبده قاسم – ط2- 2002- جامعة الزقازيق – ص 241.
*- هو من مواليد ( 1429-1527) بفلورنسة، سياسي و مفكر إيطالي، أنظر: كميل الحاج – الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي – ط1- 2000- لبنان – ص 522.
3-عد إلى: كميل الحاج – نفس المرجع – ص 523.
**- تجدر الإشارة إلى أنه قد أطلق على هذه التمارين إسم أوساكس 2002.و نفس الأمر بالنسبة للإقليم الجوي و الذي يشكل الميزة الثالثة من الركن الثاني للدولة و المتمثلة في التحكم في الطيران للدفاع الجوي عن الإقليم و هذا ما أبرزته الخبرة الطيرانية الجزائرية لطائرتي:
لتفصيل أكثر عد إلى: تمارين بحرية مشتركة بين الجزائر « SU24 »(L’Algérienne) et « Asu -6 »( L’Américaine )
و أمريكا – مجلة الجيش – العدد 463 – فبراير 2002- مديرية الإتصال و الإعلام و التوجيه – الجزائر – ص 2 و 3.
4- أنظر التمرين البياني رعد 2001 – مجلة الجيش – العدد 453- أبريل 2001- مديرية الإتصال و الإعلام و التوجيه – الجزائر ص 4 و 5.
5- أنظر في شرح تلك الأركان: عبد الغني بسيوني عبد الله – النظم السياسية و أسس التنظيم السياسي – 1984 – بيروت – من ص 17 إلى 33.
6- القانون الدستوري و الأنظمة السياسية – ط1- 1980- بيروت – ص 41.
***- هو منظر النظام الاشتراكي الشيوعي و جاء بعد كارل ماركس.
7- أنظر هذا القول عند: جورج بالاندييه – الأنثروبولوجيا السياسية – ترجمة: جورج أبي صالح – ط 1- 1986- منشورات الإنماء القومي – بيروت – ص 102.
8- الدولة في العالم الثالث – ط1- 1985 – القاهرة – ص26.
9 و 10 – عن رئيس المجلس الدستوري – سعيد بوشعير – الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية – العدد 76- الجزائر – ص 8 و 9.
11- هذا المقطع الصغير هو جزء من خطبة الوداع لرسولنا الكريم، عد إليها كاملة عند: خالد محمد خالد – عشرة أيام في حياة الرسول – ط5- 1979 – دار العلم للملايين – بيروت – ص 23.
****- و معناها المعاهدة أو الإتفاق.
12- محمد عبد المعز نصر – في النظريات و النظم السياسية – 1981 – دار النهضة العربية – بيروت – ص 473.
13- الطبيعة البشرية و النظم السياسية – 1990- الجزائر- ص 136.
14- مستقبل العالم الإسلامي – مجلة البيان – الإصدار الأول – 2003 – الرياض – ص 127.
15- العلوم الاجتماعية و العولمة – مجلة الآداب و العلوم الإنسانية – العدد 01- 2001-2002- جامعة سيدي بلعباس – دار الغرب – الجزائر – ص 231.
16- دعاة البربرية في مواجهة السلطة – 2002- الجزائر – ص 89 و ص 90.
طروحات فكرية:
إن أول ما يتبادر إلى الذهن و بمجرد طرح إشكالية الفكر العربي المعاصر ، هو موقفه من السلطة و ما تصدره من قرارات و كثيرا ما يقع صدام ذاتي بين السلطة و المواطن باعتبار أن هذا الأخير قلما يتفق مع قرارات الدولة السياسية ، و لقد قام كل من ديني دافيس و كراوس سيدني المحللان السياسيان بتحليل البنيات الأساسية الخاصة بتكتيك و كيفية تحديد العملية التواصلية لتمكين الموازنة بين النظام السياسي و رغبة الجماهير و يتركب ذلك من : " العمليات الجماهيرية في التعبير عن المصالح ..و عمليات النخبة من صنع القاعدة و تطبيقها ..و العمليات المشتركة من الإنتخابات و نشر المعلومات عن القضايا العامة.." (1) ، و يتم ذلك فقط لتمكين التقارب بين المحكوم و السلطة الحاكمة ، و ليتم تفادي الأزمات و التي كثيرا ما تجسدها المظاهرات و الإضرابات هذا الأخير الذي :" نشأ مع نشوء الوعي الجماهيري المتزايد لدى العمال و الطبقات " (2) ، و لا يتعلق طرح قضية الفكر العربي السياسي المعاصر بقضية علاقة المواطن بالسلطة فحسب بل أخذ هذا المفهوم طرحا شاملا فشاعت إشكالية التفتح على العالم الخارجي مباشرة بعد انهيار المعسكر الشيوعي و تجسدت هذه الإشكالية في قضية العولمة و التي تنفي حدود ما يسمونه بالدولة القومية أو على حد تعبير أسامة أمين الخولي : " أصبح العالم كله مجال التسويق ، سواء كان التسويق لسلع تامة الصنع ، أو تسويقا لمستخدمات و عناصر الإنتاج أو تسويقا لمعلومات و أفكار فقفزت الشركة المنتجة ، فوق أسوار الدولة " (3).
فالقومية التي أخذت مقاييسها أو معاييرها المختارة لها من اللغة أو العرق ، و ما مكنته الظروف من ترسيخ تقاليد محلية في كثير من أذهان الشعوب فأخذت مصر قوميتها من معتقداتها الفرعونية كما قامت سوريا بمحاربة ظاهرة التتريك التي سيطرت على أراضيها (4) ، واجهتها العولمة بتكسير حدود الدولة وفق نظام يعيد صبغة الخضوع لما ستحكم به محكمة العدل الدولية فيما بعد.
و يرى بعض المفكرين و على رأسهم ساطع لحصري أن ما جمعته القومية هو تفكيك للبنى الإنفصالية و إعادة بناء الدولة وفق ما يسمى بالقومية العربية إذ أن :" فكرة القومية العربية تعني الإيمان بوحدة الأمة العربية " (5) بينما يؤكد المفكر قسطنطين زريق أن أول سبل التوتر السياسي داخل الدولة العربية هو اختلال التوازن بين رابطة الأمة و رابطة القبيلة ذلك أن تجسيدنا للفكرة السابقة الذكر تحت معيار اللغة أو العرق يفرق بدلا من أن يجمع و قد سبقت لي لإشارة إلى أن هذه الإشكالية تعتمد على طرح مفهوم الأمة الإسلامية بدلا من الأمة العربية التي بطرحنا لهذا المفهوم الأخير سيثير النعرة القبلية ذات الطابع الجبلي ، و أحداث التاريخ كفيلة بتصويرنا ما أثارته القبلية الجبلية من معارضة للسلطة و في شأنهم قال الرحمان : " الأعراب أشد كفرا و نفاقا و أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله و الله عليم حكيم " (6)، و لذلك يكون منع تسرب نزعات هذه القبائل عن طريق تكسير مبدأ الإنتماءات العاطفية و تمتين التماسك الوثيق بما يشكل وحدة الأمة بدلا من تفريقها و هذا تطبيقا للمبدأ القرآني في سورة غافر يقول الله تعالى : " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " أي ما أعلمكم إلا ما علمت من الصواب " (7)
فيكون المغزى من هذه الآية أن نسلك الأمور بكل عقلانية و أن نبطل ما تنشده عواطفنا التي إذا غيرناها يغير الله ما فينا من أزمات ولقد قال في هذا الشأن أبو بكر الصديق ( ض ) : " يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية و تضعونها على غير مواضعها : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) " (8) .
و تجدر الإشارة إلى أن فكرة القومية هذه ظهرت مع القرن 19م و مع الإرساليات التبشيرية و القومي العربي يسعى إلى تمديد قوميته من المحيط إلى الخليج إلا أن هذه القومية التي نادى بها أمثال ساطع الحصري و التي حصرها في اللغة و التاريخ قد أدت كما سلف ذكره إلى إنشقاق عربي فمنه من مثل قوميته بميولاته الإشتراكية كحزب البعث العربي و نزاعاته الفكرية مع الحركة الناصرية و التي تستمد قوميتها من المضمون الإسلامي ، و منها من كانت تستمدها من المضمون اللبرالي كحركة القوميين العرب و التي كان قسطنطين زريق من أبرز المنضرين لها.
و بالتالي أرى بأن القول بالقومية و ما أحدثته من تداعيات فكرية متفرقة و بملاحظتنا للإمتداد التبعي الذي تصيغ به كل قومية عباراتها حسب توجهاتها هي نعرة ورثتها من سلوكاتها المبدئية القبلية ، و التي لم تتمكن من التخلي عنها و تركها للإنطلاق بقابليات مستحدثة لا بالإمساك بنظرة ميزها غيرها بها فضلت تقويمها و المبدأ القرآني يقول : " أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " (9) و بالتالي : " لا يقدرون على ترك الماضي ، و ليس فيه ما نأباه من أنهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال و الخروج عنه بعد تركه " (10).
و أعيد الطرح نفسه أنها فرقت بدل من أن وحدت و من هنا يسوقني الحديث عن إشكالية فشل مشروع الوحدة العربية إذ أن التفكير فيه لم يعد يلق صداه بين الدول العربية الراهنة إذ أحدثت خطوة إستقلال الأقطار العربية مفعولها في تحقيق الهدف التاريخي لهذه البلدان المستقلة كالجزائر عام 1962م من جهة في حين اعترضها عائق العجز عن تحرير فلسطين من جهة أخرى و التي تعد قضية العرب المركزية .
بيد أن أهم خطوة لترسيخ قاعدة الفكرة الوحدوية سجلها تأسيس جامعة الدول العربية في الأربعينيات إذ انحصرت هذه الأخيرة في فلك الإجتماعات و اللقاءات لعقد الإتفاقيات و ذلك للتعاون مع الدول التي لم يتم استقلالها بعد ، و يتبع هذه الأخيرة ما يتمثل في قضية تحرير فلسطين .
و إذا تساءلنا عن سبب تأخر ظهور فكرة " الوحدة " فمن الطبيعي أن هذه الدول التي كانت في مراحلها التاريخية تحت السيطرة الأجنبية ، ابتداءا من الحكم العثماني الفاسد ، ثم الفترة الإحتلالية للإستدمار الجائر و قواعده الردعية و التي جعلت البلدان العربية بعد الإستقلال تقف على حديدة من مخاض و الذي حتم عليها العمل لتكوين ذاتية أفرادها المنساقون لاختيار نظام أفضل يسوسون به دولتهم الحديثة العهد فجعل ظهور فكرة الوحدة بطيئا و " لذلك عندما تحدث الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ذي الميول الوحدوية العربية عن الوحدة طرح شعار " وحدة الشعوب " بدل من وحدة الدول لأنه كان منهمكا في بناء الدولة الجزائرية " (11).
و يصف " محمد شيا " في كتابه " جدلية التفتت و الوحدة" في المشرق العربي (1970-1990) (12) ، الوحدة بالوهم و يقسمها إلى الوحدة الإنعزالية المتمثلة في الخطاب القومي الكلاسيكي المثالي المنقطع عن الواقع و المتعلقة بتجربة الدولة العربية في الوحدة العراقية السورية إلى الوحدة العراقية الكويتية و التي رأى بأنها شأن دولي مرتبط
بمجموعة شروط وذلك لأن الإعتبار ما نملك من قوة بمعزل عن عالمها وواقعها هو وهم باطل إذ لا مكان لوحدة منعزلة في عالم معاصر متشابك و مترابط.
و يأتي في تقسيمه الثاني إلى ذكر الوحدة الفارغة و التي يرى بأنها من دون مضمون لأنها لا تتناسب مع شروط العصر و مطالبه و يثبت ذلك من خلال حقيقة تاريخية و المتمثلة في الوحدة المصرية السورية 1958م التي اكتفت بمبدأ الوحدة و أهملت التفاصيل و التطبيقات العملية ، أما النوع الثالث الذي جاء في نقده لهذه الوحدة تمثل في الوحدة الزعماتية و التي قال بأنها لم تبصر النور في الأساس و من ذلك : الوحدة الثلاثية بين مصر و سوريا و العراق 1963م، الوحدة المصرية السورية 1973م ، الإتحاد العربي الإفريقي بين ليبيا و المغرب 1984م.
و قد رأى بأنها نشأت بفعل إرادات أو رغبات ذاتية تتبدل و تتعدل و تتغير و الأمثلة التي ذكرها عن تقسيمات الوحدة كثيرة كالوحدة اللاديمقراطية و المتمثلة في أشكال القمع ضد الأفراد بسبب أفكارهم و التي تتعارض مع مبدأ احترام الحريات الأساسية ثم الوحدة الدينية التي تثير إشكال المذاهب الدينية، و الطوائف و الصعوبة في مواجهة الغرب .
أما عن الوحدة الإكراهية فيطرح إشكال أنه إذا كان من غير الجائز إكراه الأفراد في مسائل الآخرة فكيف بإكراهم في مسائل الحياة الدنيا ؟
وقد سبق ذكري لهذه الأخيرة ، إذ أن النموذج الذي يورده هذا المفكر حول الوحدة الإكراهية فإنه يجسدها في محاولة فرضها من طرف العراق على الكويت و يرى بأنها إستعارة ناقصة من مثالي " الوحدة الألمانية و الإيطالية في ق18م" متناسين إختلاف ظروف الزمان و المكان.
وبالتالي لم تتمكن هذه الدول من تحقيق وحدتها بسبب الصراعات حول السلطة و القيادة ، و بفشلها بدأت تظهر فكرة إقامة وحدات إقليمية و التي تجسدت خاصة في النظام الإقليمي الخليجي الذي :" يتألف من العراق و العربية السعودية و الكويت و البحرين و قطر و الإمارات العربية المتحدة و عمان " (12)، بالإضافة إلى إحداث منظمات إقليمية و التي جسدتها المؤتمرات كمنظمة المؤتمر الإسلامي التي يقع مقرها بجدة إذ تعد : " كتنظيم إقليمي حكومي ، يضم في إطاره الدول الإسلامية ذات السيادة " (13)، إلا أن الغرض الذي تأسست لأجل تحقيقه لم يتم إلى الآن و المتمثل خاصة في صد الإعتداءات الصهيونية المتكررة على بيت المقدس .
ومن قضايا العرب العالقة قضية الديمقراطية و التي تعالج على قمة القضايا مسألة الحريات الفردية بحيث أوافق المفكر رابح لونيسي الذي اعتبر أنه لا أحقية لأحد في " التدخل في حرية إعتقاد و تفكير الإنسان مادام الله أعطاه حرية الإختيار بين الكفر و الإيمان " ( 14) ، فهذا الإنسان الذي قد أميزه بمعيار الكفر أو بمعيار الفقر و الغنى فأحدث في وسطنا عنصرية قد تؤدي إلى حروب هالكة للبشرية هو طرح مغلوط بحد ذاته فربما هذا الإنسان الذي أنعته بالكفر قد يفيدني مستقبلا بعلمه ، لأن العلم لا تحده حدود و " لو كان أحد منا مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام إذ قال :" هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا " *(15).
و إن المادة الرابعة و الثلاثون من الفصل الرابع من الدستور الجزائري و المتعلقة بالحقوق و الحريات تحدد هذه المسألة في أن : " تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان و يحظر أي عنف بدني أو معني أو أي مساس بالكرامة " (16) و من هنا فإن تحديد الديمقراطية كمفهوم ولد مع الثورة الفرنسية إذ اشتقت من الكلمة اليونانية " ديموس" و التي تعني الجمهور بالعربية ، و هي بذلك حسب عبد الحميد البطريق تجسد كلمتي " الجمهور
" أو " الشعب " على مسرح السياسة ، يشترك في تقرير مصير الحكم " (17).
بينما ينبني المفهوم الإسلامي لحرية الفرد على المشورة الجماعية أي " الشورى " وقد طبق هذا المبدأ الإسلامي منذ عهد الرسول (ص) إذ " لا تؤخذ الشورى من العامة و إنما من أهل العلم و الفهم و الحكمة و الخبرة " (18) .
و ترى محمد كامل ليلى أن هذا النظام أي الديمقراطية " يقوم على أصول معينة ترجع في جوهرها إلى طريقة اختيار رئيس الدولة " (19).
ونفس الفكرة يتناولها دافيد بيتهام بقوله :" أن الديمقراطية تنطوي على مبدأين متتائمين هما الرقابة الشعبية على اتخاذ القرارات و المساوات في الحقوق في ممارسة هذه الرقابة و بقدر ما يتحقق هذان المبدآن في اتخاذ القرارات في أي جماعة يمكن أن نسميها ديمقراطية " (20). إلا أن هذه الفكرة وجدت صعوبة تجسيدها على البلاد العربية ، فكيف أن هذا النظام المستحدث ينجح في معظم الدول الأروبية بالدرجة الأولى رغم اختلاف الأجناس و تعدد الديانات و يفشل في عالمنا العربي الذي يتغنى بالوحدة ضد التجزئة ؟ هل يصلح تطبيق النظام الديمقراطي في العالم العربي؟
هناك من الآراء من رأت عدم صلاحية ممارسة الديمقراطية في الوطن العربي ، إذ يذهب البستاني سليم في كتابه الإتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة في تدعيم حجته بذلك على أنه يعود إلى الإنشقاق الداخلي ، وهذا ناتج على عدم قدرة الأفراد في رؤية أبناء ملتهم في مراتب سياسية عليا فيحدث القذف بينهم.
بينما يرى فريدون هويدا أن السبب يعود إلى رفض الفرد في العالم العربي لكل جديد ، لكن كيف نفسر نجاح الديمقراطية و التي كانت على شكل " شورى" في عهد الخلفاء الراشدين ؟ إذ لما اعتلى عمر بن الخطاب (ض) عرش الخلافة ، قال : " من رأى منكم اعوجاجا فليقومه " فأجابه رجل من العامة : " و الله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " .
فرد عمر (ض) :" الحمد لله أنه يوجد في أمة محمد من يقوم عمر بحد سيفه " .
وهذا شكل من أشكال الديمقراطية آنذاك ، و إذا جئنا للحديث عن تحديد الأساليب التي تجعلنا نتمكن من ديمقرطة المجتمعات العربية ، فالكواكبي يرى بأن الكشف عن نقاب الفساد و القضاء عليه يمكن الأفراد من السير نحو نظام أفضل.
و بالتالي فإن ممارسة الديمقراطية تعتمد بصفة خاصة على إقامة عقد جماعي يمثل شرائح المجتمع بكل فئاته ، و يتحقق لنا ذلك بإقامة دستور يضعه كل الشعب و بكل تناقضاته فتكون فيه التعددية التي تهرع إلى تربية المجتمع و تعليمه كيفية ممارسة الديمقراطية في عالمنا الإسلامي.
هل يمكن أن نقيم نظام مثالي على الأرض؟
1/ الآراء التي تستبعد قدرة العرب على إقامة نظام سياسي مثالي :
أ) – السياسة العربية في النظرة الخلدونية :

يتعرض ابن خلدون في مقدمته إلى مجموعة من التفسيرات تستبعد قدرة العرب على إقامة نظام مثالي مميز يثبت عليه اتجاههم دون الرجوع إلى الوراء فهو بذلك يوضح تركيز طباعهم على عنصر البداوة إذ يقول : " السبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم و أبعد مجالا في الفقر و أغنى عن حاجات التلول و حيويتها لإعتيادهم الشظف و خشونة العيش " (21).
هذا ، وكما نجد أن ابن خلدون يعمل مقاربة علمية حول هذا الطرح وفق منهج المقارنة و من خلال استبعاده كذلك وفرة قدرة التصنيع لدى الفرد العربي على غيره من العجم بحجة أنه " أعرق في البدو و أبعد عن العمران في الحضري " (22)بيد أن العجم في نضره هم : " أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري و أبعد عن البدو " (23) .
إذن هذا الملمح الخلدوني و المحلل لأوضاع المجتمعات العربية يعطي صيغة عصرية لهذا التحليل الذي نلحظ من خلاله تشريح التاريخ و الذي يعد في المفهوم الخلدوني " كعلم لبدائل الأحوال " (24)بحيث يستغرب الفكر الخلدوني مسألة أنه من يستحوذ من الملة الإسلامية على العلم " العجم" مع استبعاد احتمال وجودها في الملة العربية " و السبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم و لا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة و البداوة " (25) فالمقارنة العلمية التي أبداها ابن خلدون من خلال تحليله لواقع الأمم العربية يصح فيها إثبات مجموعة من الحقائق ترتكز على مفهوم التقدم و مواكبة العصر إنطلاقا من مقياس " العلم " و لعل ما عبر عنه ألكسيس كاريل يتقارب مع المفهوم الخلدوني الذي جعل العلم أساس بناء الدولة و تقدمها ، يقول ألكسيس حول الإنسان الجاهل : " إنه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه لأنه لا يملك معرفة علمية بطبيعته " (26) لذلك ضم الفكر الخلدوني مجموعة من المفاهيم جعلت القدرة العربية على مواكبة العصرنة محدودة وفق معوقات ترمي إلى ضرورة التخلي عنها لمواصلة السير و التفحص الدقيق في أحوالها.
2/ آراء تنفي المقدرة العربية على التنظيم المثالي :
أعربت بعض الدراسات النفسية على حصر فشل القابلية العربية في التوفيق في إقامة نظام يتميز بالممارسة المهاراتية في نطاق السيكولوجية النفسية بحيث يذهب فرج عبد القادر طه إلى تحليل الشخصية العربية إذ رأى بأنه لا يمكنها أن ترتقي إلى المثالية المنشودة كون أنها تستثير بسهولة لانفعالاتها الوجدانية : " فمن السهولة بمكان أن ينقلب التأييد إلى معارضة ، أو تنقلب المعارضة إلى تأييد في أي من البلاد العربية بسبب حدث سطحي تافه " (27) حيث أنه يوضح ذلك من خلال " التقلب الوجداني السريع و المتكرر في العلاقات بين كل بلد عربي و آخر " (28) و هذه الخاصية التي ميز بها فرج طه الشخصية العربية جعلته يصل إلى نتيجة بأن تربص الأعداء بالأمة العربية على حد تعبيره صار أمرا هينا ماداموا يعرفون نقاط الضعف التي بددت شمل البلدان العربية.
وكثير من الآراء التي تتقارب و الطرح الخلدوني باعتبار أن الشخصية العربية هي شخصية قبلية مبنية على روابط التعصب التي تعلن الولاء في حالة العدل أو الظلم و لكأني بالبيت الشعري الذي يقول فيه صاحبه :
و هل أنا إلا من غزية ؟ إن غوت *** غويت و إن ترشد غزية أرشد "(29) .
الأمر الذي ينقص من تسيير الأمور وفق الحقائق الموضوعية و كثيرا ما يفقد خاصية الدقة في جميع المجالات كالدقة في إتقان العمل و الإسلام نص عليها " إذ قال رسول الله (ص) : " اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ، و إن أحب العمل إلى الله أدومه و إن قل وكان إذا عمل عملا أثبته " (30).
و من المعوقات التي يبرزها فرج طه كذلك سيادة الأمية و تخلف التعليم مما يعود إلى انعدام النوايا المخلصة لعلاج هذه المشكلة من جانبهم " (31) و نفس النقطة تعرض إليها أبو القاسم سعد الله الذي رأى بأن النخبة قد أخذت بعد الإستقلال الجزائري 1962م على عاتقها إنشاء مراكز التعليم بيد أنها كانت دائما تفتقد إلى مناهج للتسيير الحسن حيث قال : " دخلنا الميدان بمعارف مبتورة و فرضت علينا فرضا " (32) و إنطلاقا من مقياس " البداوة و القبلية " أرى أن اجتماع أغلب الدراسات التاريخية على جعله كأول دافع للتراجع العربي عن إقامة نظام يصلح لتسيير البلاد كدراسات محمد الرميحي التحليلية و التي أسفرت بأن الأنظمة العربية بطابعها القبلي تختفي " تحت الأشكال الضاهرية للتمدين العربي " (33) ذلك أنها حسب تعبيره ترتدي أقنعة عصرها بيد هي في واقعها قبلية و إذا بحثنا عن ماهية تطبيق هذا الطرح فستجده يتجسد خصوصا في " النظام العماني " و إن كانت قد أدخلت عليه بعض التطورات من طرف " السلطان قابوس " 1970 الذي رأى أن " القبلية العنصر الفاعل في النظام " (34) خاصة في قضية إبعاد فكرة الإنتخابات و التي رأى أنها من المسائل التي تحد من الحرية الفردية للمواطن العماني وليس هذا فحسب بل من الأمور التي تزعزع الأنظمة السياسية العربية هي أبدية المدة الرئاسية للأنظمة التي تربعت على السلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية كما هو الحال في دولة الجماهيرية الليبية و التي يحتفظ فيها معمر القذافي بسلطته منذ 1969 و إلى حد الآن لذلك أمكن القول بأنه لا يمكن الحفاظ على شرعية النظام من خلال مثالية إذا لم يكن فيه تجديد للقيادات الحاكمة أو تداول معتدل على السلطة تتناسق أفكار قائدها مع مواكبة العصرنة التي يطرحها العالم أمام أرض الواقع.
3/ آفاق ووقائع تمهد لإقامة نظام مثالي :
بينما ذهبت بعض الآراء إلى نفي إمكانية إقامة النظام المثالي على الأرض العربية برزت فيه اتجاهات أخرى حاولت إقتراح مناهج تتمكن الدول من خلالها المباشرة في تطبيقها للرفع من نطاقها المتراجع.
بحيث انطلق أبو القاسم محمد حاج حمد لمعالجة هذه الإشكالية من خلال طرحه فكرة محاولة تجاوز الصراع العربي الأروبي قد " طرح الله منهجية السلام الكوني " (35) و يرى عبد الله العروي أن كل الأقطار العربية " ستعرف تقدما في مجالات الإقتصاد و التجهيز و الثقافة " (36) إذا تفادينا التعامل مع غيرنا على أساس المصلحة القطرية .
بينما يدعوا أمين الرؤيحاني إلى القيام بثورة فكرية تقضي على العادات و التقاليد الفاسدة باعتباره أن " المرء الذي يثور على ما ورث من الأجداد مما كان فاسدا فيصلحه هو الذي يحق له أن يثور على الحكومة " (37).
وكل ما تقدمت به الآراء هو محاولة فكرية جادة لإيجاد كما يقال " بديلا حضاريا " ينقذ هذه الأمة من تراجعها و كل ما شدني إليها هو رأي أبو القاسم الذي يدعو إلى إقامة قطيعة مع الماضي و الإستمرار إلى الأمام إذ يقول : " إن العودة إلى الماضي هي تكرار لا يتناسب و سنة الحياة كما أن البداية من جديد هي نوع من الإدعاء " (38) و أنا أوافقه فيما ذهب إليه إذ لا يمكن أن نعيد تكرار الأخطاء التي سبق و أن مررنا عليها و العصر هو تطور و تقدم إلى الأمام لا رجوع إلى الوراء لذلك وجب على هذا الإنسان العربي أن يهيأ نفسه لإستقبال أفكار جديدة تقوده كما قال محمد أبو القاسم إلى العالمية الإسلامية الثانية " تحمل إلى العالم نهجا حضاريا كونيا بديلا " (39) و بالتالي يقيم نظامه المثالي على الأرض لما يفهم مضامين دستوره القرآني الذي أوحى إليه بأول آية " إقرأ" .

هـــــــــــــوامش
1- بسيوني ابراهيم حمادة – دور وسائل الإتصال في صنع القرارات في الوطن العربي – ط1 – 1993 – بيروت – ص53.
2- عبد المالك مرتاض – المعجم الموسوعي لمصطلحات الثورة الجزائرية – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر -1983 – ص..
3- العرب و العولمة – ط3- 2000- مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – ص 156.
4- عد إلى أبو القاسم سعد الله – هموم حضارية – ط1- 1993- دار الأمة – الجزائر .
5- أحمد يوسف أحمد – ساطع الحصري ثلاثون عاما على الرحيل – ط1- 1999 – بيروت – ص 189.
6 – أنظر في تفسير هذه الآية : أبي جعفر محمد بن جرير الطبري – جامع البيان في تفسير آي القرآن – المجلد 7- الجزء 11- 1988- بيروت – ص3.
7- أنظر في شأن هذا التفسير : سليمان بن عمر العجيلي الشافعي – الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية – ج4- مطبعة الإستقامة – القاهرة – ص13.
8- وردت العبارة عند : الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني – سنن أبي داود – ج2- ط1- 1952- مصر – ص432.
9- سورة الإسراء ، الآية 48.
10- أنظر تفسير ذلك عند : الشريف المرتضي علي ابن الحسين الموسوي العلوي – غرر الفوائد وذرر القلائد ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم – ط2- (1387هجرية -1967ميلادية)- القسم الثاني – بيروت – ص103.
11- أنظر تفصيل ذلك عند محمد عابد الجابري في كتابه المعنون " وجهة نظر نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر " ص205.
12- أشرفت على هذا المؤلف الدكتورة فهمية شرف الدين – معهد الإنماء العربي – 1991.
13- أنظر في تفصيل هذا النظام : محمد السعيد إدريس – هيكلة النظام الإقليمي الخليجي – ط1- 2000- بيروت – ص 25.
14- مصطفى عبد الله خشيم – موسوعة علم العلاقات الدولية – ط1- 1996 – ليبيا – ص357.
15- البديل الحضاري – ص131 .
16- شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي – المستطرف في كل فن مستضرف ، تحقيق : درويش الجويدي ، ج1 ، ط1 ، 1999 م/1419ه ، المكتبة العصرية ، بيروت ، ص 44.
* - سورة الكهف ، الآية 22.
17- الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد76( 27 رجب 1417ه).
18- عبد الحميد البطريق – التيارات السياسية المعاصرة – ط1- 1974- دار النهضة العربية – بيروت – ص 8.
19- أحمد محمد جمال – مأساة السياسة العربية – 1982- مطابع الأهرام التجارية – القاهرة – ص 183.
20- الديمقراطية أسئلة و أجوبة – 1996 – اليونسكو – ص9.
21- المقدمة – الجزء الأول – المجلد الأول – دار العلم للجميع – بيروت – ص 127.
22 و 23 – نفس المصدر – ص 337.
24- ابن خلدون – نفس المصدر – ص3.
25 – نفس المصدر- ص 477.
26- الإنسان ذلك المجهول – تعريب : شفيق أسعد فريد – 1998 مكتبة المعارف – بيروت – ص41.
27 – علم النفس و قضايا العصر – ط7 – 1999 – عين الدراسات – مصر – ص 292.
28 – نفس المرجع – ص 292.
29 – ابن الأثير – الكامل في التاريخ – ط 6 – بيروت – ص 9 .
30 – أنظر المنذري – الترغيب و الترهيب من الحديث الشريف – المجلد الثاني – الجزء 3 – 1991 – بيروت – ص 22.
31- نفس المرجع – ص 303 .
32 – السلطة و مراكز العلم في الجزائر – محاضرة ألقاها الباحث أبو القاسم سعد الله في معهد التاريخ بوهران يوم 17 أبريل 2005 على الساعة 9 و 30 د صباحا.
33- سقوط الأوهام – ط 1 – 1998 – دار الساقي – بيروت – ص 191.
34 – أحمد تركي – السلطان و القبيلة يحددان مصير عمان – http://www.Islamonline.net (25.12.2000)
35- العالمية الإسلامية الثانية – دار الميسرة – 1399 ه – أبو ظبي – ص 211.
36 – مقدمات لبرالية للحداثة – ط1 – 2000 – مؤسسة رينة معوض – بيروت – ص 287.
37 – الإصلاح و النهضة – كيف تصلح الأمة ؟ - إعداد و تقديم محمد كامل خطيب – 1992 منشورات وزارة الثقافة – دمشق – ص 733.
38- نفس المرجع – ص 212.
39 – نفس المرجع – ص 212.

محطات تاريخية
1/ إغتراب التوجه :
لقد خلف الإستعمار و بعد أن أخذ منه مبدأ السيادة بالقوة آثارا كثيرا ما ساهمت في اضمحلال القوى الطامحة إلى الخروج من بؤرة المفارقات السياسية الخطيرة ، فالتعليم الذي فرضته الحقبة الإستعمارية على النخبة المثقفة و إن انقلبت جذريا على قوى الإستبداد بحركاتها التحررية إلا أنها تغذت من رحيق فرضته على سبيل المثال سنوات 1919 بالجزائر و إن كان من إيجابياته أن طرح مفهوم المواطنة *التي أثمرت مباشرة بعد الثورة الفرنسية 1789 فإنه من السلب جدا أن اتخذت مجموعة من الدول العربية نظام الحكم الإستعماري بتطبيع أنظمتها بأنظمة الحكم العسكرية و " التبرير الذي قدموه هو أن شعوبهم ليست بالشعوب التي لا تعرف التمثيل أو الإنتخابات ... بل لأن الجيش باعتباره المؤسسة الوحيدة المنظمة ... تجد نفسها مضطرة لتنظيم البلاد " (1) و لا نذهب بعيدافقد تحالف الحزب السياسي الجزائري مباشرة بعد الإستقلال مع المؤسسة العسكرية لتولي حكم الجزائر مما مهد بعد ذلك إلى حدوث أزمات سياسية نتجت عن صيغة وصاية المؤسسة العسكرية على الشعب ، و تزاحمت هذه بأفكار أخرى مما أثمر عن ما أسموه بلصوص ما بعد الثورة إذ " أن الوزير الأول عبد الحميد الإبراهيمي أعلن في 1986 في التلفزيون الجزائري أن مسؤولين جزائريين منذ الإستقلال و حتى اليوم تلقوا الرشاوي و سمسرة من الشركات الأجنبية التي كان لها علاقة بالتنمية في الجزائر مقدارها 26 مليار دولار " (2).
و نفس الأمر أعرب عنه تارابرين بأنه : " من العوامل الذاتية التي تعيق النضال ضد عملاء الإستعمار الجديد في الداخل : جهاز الدولة المحافظ ، و عدم كفاءة الكوادر تنظيميا و مهنيا التي تفضي إلى سوء الإدارة و التبذير " (3).
و إذا تمعنا جيدا في هذا الأمر ف‘نه يتنافى تماما مع استيراتتيجية الإتجاه الإشتراكي الذي اتبعته الدولة مباشرة بعد حصولها على الإستقلال و حسب ما ورد في ميثاق التنظيم الإشتراكي للمؤسسات بأنه " يسجل مرحلة حاسمة للبناء الثوري " (4) و بالتالي صار الأمر مجددا يستدعي الإقدام على الإصلاحات الجوهرية لنظام البلاد الداخلي ، فكان أن أممت المحروقات و اعتمد على البترول كمصدر رزق و أهملت بعض القطاعات الهامة كمسألة التصنيع و إن كان فيه فتح المصانع إلا أن فقدان خبرة التحكم فيها موجودة ، و بالتالي ألاحظ أنه قد حدث ما يمكن أن نسميه بنظام الترابط الإقطاعي ** و هذا ماجسدته التبعية على حد تعبير كارل بروتنتس : " بخلق مصادر التطاحن و الخصام بينهما ...و إمكانية الظهور بدور الحكم " (5) .
هذا ، و كما طرحت فكرة ما يسمى " بالتنظيمات المحلية " و التي تمت في " الفترة الممتدة من 22 إلى 26 أكتوبر 1966 ، إذ كان جدول أعمال جلسة مجلس الثورة يحتوي على موضوع تنظيم المجالس الشعبية في جميع أنحاء الوطن " (6).
و كل هذا يدخل في مجال الإصلاحات التي فرضتها عصور الأزمة على الجزائر ، و إن كانت فيه كتابات تستبعد خروج الدولة الحديثة من أزمتها بعد الإستقلال فإننا نستنطق جملا من التفاؤل في مذكرات " خالد نزار " في أنه " لا أحد يشك أن الدولة و مؤسساتنها ستخرج أكثر و بقدرات أكبر عندما تنتهي الأزمة " ( 7) .
و لم تغترب الدول العربية سياستها الداخلية بقدر ما اغتربت حدودها الإقليمية بحيث ثارت النزاعات الدولية الخارجية في المجال الجغرافي و التي قسمها الدارسون أمثال بريسكوت الإنجليزي إلى عدة أنواع و التي تتضمن ملكية الأراضي الحدودية لاعتبارات تاريخية تربطها بها أو لانتماءات عرقية ، كما تتمثل هذه الصراعات أيضا في تعيين خط الحدود و هذا ما حدث بين الجزائر و مراكش و " كالصراع الحدودي بين العراق و إيران و الذي يعود إلى القرن 17 م " (8) و الجدل الذي حدث حول مشكل الحدود كان ناتج عن تقسيم الإستعمار و من غريب الصدف أن تتعرض له دولنا العربية .
هذا ، و كما قد حدث صدام حضاري بين هذه الشعوب المستقلة و التي تتناقض و حياتها بين شطرين متباعدين ، فالأول الذي هو وراثي عن عادات قديمة المؤمنة بالعقائد الدينية و الشطر الثاني الذي زعزعه الإستقلال إلى احتضان فكرة الرقي و احترام مبادىء الحرية و التعليم فتصارعت بذلك التيارات و التوجهات فيما بينها إلا أن الظاهر حسب رأي محمد عبد الباقي الهرماسي أن النخب " التي تتبنى الدولة الوطنية و تعتبرها الإطار المركزي للإنتماء السياسي قد نجحت في التغلب على جميع التيارات الأخرى " (9).
هذا ، وقد تناولت قضية الإزدهار الإقتصادي و التي أخذت مجالا واسعا من التفكير فوجدت هذه الدول المستقلة نفسها تتخبط في تخلفها الإقتصادي نتيجة عدة عوامل أدرجها في التأخر في الإلمام بالتنمية و الإفتقار إلى رؤوس الأموال و ذوو الخبرة و الكفاءة المهنية بالإضافة إلى إقتصار إقتصاد البلدان العربية على الزراعة و إهمال الجوانب الأخرى كقضية التصنيع و الإنتاج و الإعتماد على الإستهلاك ، إضافة إلى إرتفاع النمو الديمغرافي مما يضاعف من الديون و التي كثيرا ما تلجأ إليها هذه البلدان عن طريق المساعدة الأجنبية و بشكل منح أو قروض فتدخلت الهيئات الدولية كالبنك الدولي للإعمار و التنمية و مختلف فروع هيئة الأمم المتحدة و يظهر الحل للقضاء على هذا التخلف في إعداد خطة فنية تقنية للعمل ضد التبعية الأجنبية ، و لعل هذا ما ذهب إليه الرشيدي في تمثيل صورة الدولة المنضوية تحت جامعة الدول العربية بأنها لا تباشر أية " سلطات ذات طبيعة سيادية و بالذات في المجال الدولي " ( 10 ) .
و إلى جانب جامعة الدول العربية ، فقد كان لحركة عدم الإنحياز مرحلة تمهيدية منذ 1954 م و التي تبلورت في مؤتمر باندونغ خلال لقاء رؤساء حكومات الهند و الباكستان و أندونيسيا و سيريلانكا و المعالج لقضايا التحرر و استمرت فكرة " عدم الإنحياز " تتبلور خلال عدة لقاءات أخرى في يوغوسلافيا سنة 1956 م القاهرة سنة 1958م و غينيا سنة 1960 م ثم المؤتمر التأسيسي و النضج التي تمحورت في فكرة ديمقرطة " العلاقات الدولية " و نزع السلاح و تطورت هذه الإهتمامات إلى غاية سنة 1973 م إثر إنعقاد مؤتمر الجزائر و الذي ركزت فيه الحركة على إقامة الحوار بين الشمال و الجنوب و إنشاء صندوق تضامن للتنمية الإقتصادية للدول العربية .
هــــــــــــــوامش
* - أنظر هذا المفهوم الذي ورد باللغة الفرنسية من طرف الأمير خالد الذي طالب بحقوق المسلمين الجزائريين بالمواطنة عند : Charles Robert Ageron – Les Algériens musulmanes et la France – ed 1968 – Paris – p1225
1- سعيد بوشعير – القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة – ج 2 – 1988 – الجزائر – ص 162-163
2- عز الدين المناصرة – المسألة الأمازيغية في الجزائر – ط1 – 1999- الجزائر –ص22.
3- الإستعمار الجديد و إفريقيا في السبعينيات – ترجمة : دار التقدم – 1979 – موسكو – ص 395.
4- عن جبهة التحرير الوطني – التسيير الإشتراكي للمؤسسات – اللجنة الوطنية – 1975 – ص 7.
**- يعتمد نظام الترابط الإقطاعي على الإهتمام فقط بالشؤون العسكرية للبلاد و ذلك للحفاظ على مصلحة السلطة و على جباية الضرائب و مختلف الوسائل الردعية لإخضاع الأفراد.
5- الإستعمار الجديد – 1979 – دار التقدم موسكو – ص 62.
6 – عمار بوحوش – تطور النظريات و النظم السياسية – 1977 – الجزائر – ص 243.
7- علي هارون – مذكرات اللواء خالد نزار – مطبعة الشهاب – باتنة – ص 228.
8- قاسم الدويكات – الصراعات الحدودية في الوطن العربي – مجلة راية مؤتة – العدد 1 و 2 – المجلد الثالث – 1994 – ص71.
9- محمد عبد الباقي الهرماسي – الدولة و النظام في المغرب العربي – مجلة المستقبل العربي – العدد 52 – 1983 – ص33.
10- موقع مبدأ السيادة في ميثاق جامعة الدول العربية – مجلة شؤون عربية – العدد77 – 1994 – ص 71.
قضايـا تنمويــة
قد نتساءل إذا ما كان المجال السياسي يستبعد في فحواه المجال الإقتصادي ، إلا أننا لو ألقينا نظرة تأملية لأهم ممارسات المؤسسات الإقتصادية فإنها لا تستمد شرعيتها الحقيقية إلا من خلال الدولة و السياسة التي تتبعها ، فلا يتميز النظام السياسي إلا من خلال الإزدهار الإقتصادي ففيه يستمد تمظهره وبه تكون القوة أو الإنحطاط و بالتالي كل يكمل الآخر .
المؤسسات السياسية ( الجزائر كنموذج ) :
يرتبط الحديث عن التنمية مباشرة بفترة ما بعد الحصول على الإستقلال لكن الحديث عن المؤسسات السياسية كجهاز هام في تحريك مختلف أوجه التنمية يعيدنا إلى الخلف قليلا لنعمل مقارنة بسيطة بين فترتين متباعدتين في تاريخ الدول العربية الحديث ، بين تبعيتها للخلافة العثمانية مرورا بأهم الأزمات التي شهدتها في ظل الإستعمار الأجنبي إلى غاية حصولها على الإستقلال ، إذ في تتبعنا لتطورات المؤسسة السياسية الإقتصادية في عهد الخلافة العثمانية فإن المراجع العربية منها و الفرنسية لا تختلف في تصنيفها في إطار الكساد و التراجع فهناك العديد من الخصائص التي يوردها المؤرخون أمثال " سيفتي قورزال "(1) حول هذا التصنيف من خلال عبارة " البقشيش " التي تداولت بين موظفو إدارة مؤسسات الدولة الإقتصادية منها و السياسية بحيث كانت هذه المناصب تمنح لقاء مقابل وهذا ما يرادف عبارة البرطيل في مفهومنا المعاصر ، ولا يختلف روبير مونتران في توظيف أسباب هذا التراجع من خلال عبارة " البيروقراطية " (2)و التي منحتها الدولة العثمانية الأولوية في تسيير مؤسساتها الإقتصادية لأنه لم يكن يهمها سوى ملأ خزينة الدولة ، الأمر الذي أعاق التنمية في تصورنا المعاصر لها في تلك الفترة.
هذا ، وكما يظهر مسببات هذا التراجع في مؤلف آخر (3) مضيفا إليه فكرة تولي سلاطين في مقتبل العمر حكم و صلاحيات تسيير المؤسسات المالية أمثال إبراهيم الأول هذا ما يوضح الفترة الإنتقالية لهذه الدولة مباشرة بعد وفاة السلطان سليمان القانوني سنة 1566م و الذي أبهر أبهر عصره العديد من المؤرخين لدرجة جعلت أمثال المؤرخ أوندري كلوت يخصص عنوانا خارجا عن نطاق الموضوعية في مؤلفه (4) الذي سماه : Soulimane le Magnifique
حيث يبرز أن فترة الحكم السليمانية شهدت طابعا لا مثيل له في تسيير مؤسسات الدولة السياسية و لهذا سمي بالقانوني نسبة إلى عدله ، و تتوضح هذه الفترة الإنتقالية من خلال ما ذهب إليه " ألكسندر دراسكا بولقاري " (5) في إبراز نفس الحقائق التي أظهرها المؤرخون الذين سبق ذكرهم .
بينما إنحاز غيرهم من المؤلفين إلى تبيان فقط إيجابيات هذه المؤسسات مع تبرير تسيير الحكام لهذا النظام أمثال إبراهيم بك حليم (6) الذي عاصر نظام الحكم العثماني و أبرز أن الدولة قد أعاقتها صعوبات منعتها من الإتجاه نحو تنمية أفضل ، لمؤسساتها نظرا لشساعة المساحة و صعوبة المواصلات و هذا لايمنع من ذكر جهود العديد من السلاطين أمثال محمد الثاني الذي باشر في تأسيس وزارته المالية المسماة بالدفتر باب و التي حلت محل دفتر دار ، إلا أن من معوقات التنمية في تلك الفترة يتضح جليا في إهتمام الدولة بالمراسيم بقيام نظامها على الدنوش.
لذلك فذهاب إبراهيم بك إلى إعطاء الصورة الإيجابية يرتكز خاصة على تمظهر الدولة بذلك حيث كان أول وزرائها " علاء الدين " الذي عمل على " تنظيم النقود ، و اللباس و الجيش و أمر بأن يخطب للسلطان باسمه على المنابر " (7).
و هذا لا يبرر حقيقة التراجع و الذي تبدو قيمته من ذات الواقع لا من ذات المظهر لذلك كان نقد المؤرخين لنظام تسيير المؤسسات صائبا ، فلا ننفي حقيقة ما ذهب إليه عبد الرؤوف سنو في تبيانه نموذج حي ، وضح من خلال صورته الحالة الإقتصادية لمسلمو بلاد الشام الذين استسلموا لحكم غرهم بمظهر السير على ما أسموه بالخلافة الإسلامية .
و لذلك لم يتعد تذمرهم منه " حدود الإحتجاج على ظلم وال أو قهر عسكر وعبء التجنيد وارتفاع الضرائب و الأسعار وعدا ذلك " (8).
إذن هذه الكيفية التي تم بها إعاقة التنمية أدت إلى حدوث مايسمى بإصلاحات الدولة و التي باشر في تجسيدها أمثال السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1876 م ، بحيث مست جوانب عديدة و أبرزها مسألة الضرائب ولا يقتصر الحديث عن هذا الموضوع حول هذه الفترة فحسب ، حيث اختلفت الفترة الموالية و المتمثلة في السلطة الإستعمارية في منطلقها الخاص بالتنمية حيث انطلقت من مفهوم مغاير و المتمثل في نفقات الدولة الإستعمارية و الذي صرفت أغلبيته في المجال العسكري.
و لا يمكنني التعرض إلى كامل الدول العربية و سأكتفي بالتطرق إلى الجزائر كنموذج لهذه الدول حيث باشرت فرنسا في السيطرة على الوضع السياسي بالجزائر إلى الإنصراف إلى تنمية من نوع خاص تموقعت في المجال الإجتماعي وهي تنمية بشرية من أجل إعداد نخبة متمكنة من تسيير مؤسسات الدولة الإقتصادية وفق إستراتيجيتها الإستعمارية وتجسد ذلك من خلال تشريعاتها المالية والمنجرة على خلق مناصب شغل لتأهيل هذه النخبة المستقبلية ، من أجل تولي مناصب الإدارة الفرنسية وفق إنفاق عليهم قروض وافق على منحها البرلمان الفرنسي لذلك أسست وفود مالية بعدما منحت الجزائر استقلالها المالي في ظل الإستعمار الفرنسي و إثر قانون 19/12/1900م (9) .
إلا أن هذا النوع من التنمية وفق إستراتيجية استعمارية في تكوين مؤسسات الدولة السياسية لا يسير وفق هدف التخطيط لتنمية مستقبلية ، ذلك أن هذا الأمر لم يكن إلا ليخدم مصالح إستعمارية أكثر منها عربية بصفة خاصة ما دمت قد اتخذت الجزائر كنموذج لهذه الدول ، إذ أن استراتيجية التنمية تميزت بطابعها الإستغلالي مما أثمر عليه تفاقم العديد من الأزمات و التي انعكست سلبيا على اقتصاد الدولة المحلي أي " الجزائري " لسوء تدبير الإدارة الإستعمارية السياسي إذ لم يتوقف هذا الأمر على الإمساك بزمام الجانب البشري بقدر ما كان انتهازيا في استغلال المساحات الزراعية التي صادرتها الدولة الفرنسية من أصحابها الشرعيين و كان على رأس هذه الأزمات و التي أظرت بالتقدم التنموي للمؤسسات أزمة تزايد إنتاج الخمور بالجزائر و من خلال التبعية للسوق الفرنسية بحيث يشير الباحث عبيد أحمد من خلال تتبعه لأسباب و تطورات هذه الأزمة و في إطار دراسته التاريخية لها بأنها تعود إلى فشل محاولات المعمر لتنمية زراعة صناعية علما أن من أهم أهدافه الإستعمارية هو السيطرة على الأراضي و التوسع في ضم مناطق النفوذ إلى دولته الأصلية ، بيد أن سياسة الإنصراف إلى الإرتكاز على قطاع الكروم و المتسبب في الإنخفاض المتزايد في الأسعار لا ينفي تأثيره على مؤسسات الدولة " إذ من 1929 إلى غاية 1936 م إنخفضت الأسعار بشكل عام " (10).
و إذا قمنا بدراسة اقتصادية علمية فإننا نجد ما يقابل و يعاكس في نفس الوقت * هذا الأمر في ما يعرف حاليا بالتضخم و الذي يرتبط بأزمة الغلاء إثر انخفاض القدرة الشرائية للمستهلك لذلك يرى يوسف شبل إستمراره لمدة طويلة " يؤثر تأثيرا على الحوافز الإنتاجية للمؤسسات الإقتصادية " (11) فكلا الأمرين سيان لا يختلفان ، لذلك فإن التكلم عن تنمية حديثة لا تتلاءم أهدافه مع ما خططت له الإستراتيجية الإستعمارية سابقا ، هذا ما جعل الدول العربية تتبع إستراتيجية خاصة بها بعد الحصول على الإستقلال مباشرة إذ اتبعت الجزائر الإتجاه الإشتراكي .
حيث يبرز خيري عزيز أن أول خطوة انتهجتها الجزائر مباشرة بعد الإستقلال و بعد الإنقلاب الذي أحدثه الرئيس السابق هواري بومدين يوم 19 جوان 1965م إتخذ إثر ذلك من رئاسة مجلس الثورة كأقوى مؤسسة سياسية في البلاد " فاختار طريق الممارسة الجماعية للمسؤوليات " (12).
لذلك فإن خيري عزيز يرى بأن المؤسسات التي اعتمدت عليها الدولة في تنميتها الإقتصادية تجسدت كلها في العلاقة المباشرة بين شخصية الرئيس هواري بومدين و الجماهير الشعبية و هذا لا يضعف في نظره دور المنظمات و الإتحادات الوطنية كما لا يضعف دور الحزب و الجيش في تسيير البلاد و يكفي أن هذه العلاقة المباشرة ناجحة مادامت ترتكز على ثقة الشعب برئيسه ، و الإيمان المطلق بالإختيار الإشتراكي كمنهج للتنمية الشاملة و التوازي الجهوي و الذي ظهر بمفهومه المعاصر من خلال التوطن الصناعي (13)الذي أدى إلى إحداث ما يعرف بالتمدن الحضري من خلال سياسة التصنيع التي عرفتها الجزائر منذ سنة 1976م و لا تتوقف السياسة البومدينية التنموية على ذلك فحسب بل شملت مراحل هامة في تاريخ مؤسسات الدولة الإقتصادية التي مرت باستراتيجية التأميم الخاص بالمحروقات في بادىء الأمر إذ في سنة 1970 م قال بومدين : " إن قطاع المحروقات يجب أن يخدم مصلحة بلادنا و أن يتوغل كلية في مخطط التنمية ، ذاك أنه يمثل جزءا لا يتجزأ من إقتصادنا الوطني " (14) ولم يتوقف أمر هذه الإستراتيجية على مجال المحروقات * بحيث كان مجال التسويق من أهم أهداف التنمية ، كما تجسد تحقيق هدف سياسة التصنيع و الإنتاج الزراعي من خلال إعداد المخططين الثلاثي و الرباعي (1967 إلى 1978 ) و المخططين الخماسيين (1980 إلى 1990 ) (أ).
لكن هذا النظام الخاص بالإشتراكية عرف تواطأ في ضوء العلاقات الدولية و التي سأتناول جزءا منها في فصول لاحقة ، خاصة بعد إنهيار المعسكر الشيوعي و إثر ظهور النزعة القومية ** التي فككت الإتحاد السوفياتي و نهاية الحرب الباردة (ب) و التي أفرزت بظهور النظام الدولي الجديد و الذي قاد العالم إلى الرأسمالية الحرة ، فأعيدت هيكلة بعض المؤسسات من خلال مصادقة مجلس الحكومة لمقداد سيفي على قانون خوصصة المؤسسة العمومية سنة 1995 فحددت كل القطاعات القابلة للخوصصة (ج) و هذا ما يبرز التطورات التنموية للدولة الحديثة الإستقلال من خلال مؤسساتها السياسية التي حاولت إبرازها من خلال ثلاث فترات إنتقالية و مختلفة متخذة الجزائر كنموذج للدول العربية (د) ، و لا تتوقف المؤسسات السياسية التنموية على المؤسسات السياسية فحسب و إنما يتوافق تسيير هذا النظام من خلال المنشآت المالية و التي سأتناولها فيما بعد .
2 / إشكالية التنمية العربية الموحدة :
كان ظهور جامعة الدول العربية على الساحة الدولية محفزا لتبلور العديد من القضايا التي مست الجانب التنموي لهذه الدول فتبلورت فكرة توحيد المخططات العربية في تنميتها المستقبلية لدى العديد من المفكرين الذين كان الكثير منهم لا يرمي إلى تطلعات الدول العربية من الناحية الإقتصادية فحسب منذ أن " وافق مجلس الجامعة في 25 يناير 1956 على إنشاء شركة البوتاس العربية المساهمة في استغلال أملاح البحر الميت " (15) بل تعدت تلك التطلعات المستقبلية المشتركة عدة أوجه ترمي إلى تحقيق آفاق هذه الدول التي عملت جاهدة على السير وفق تطورات العصر و الذي ميزته وقائع التكنولوجية و الأبحاث العلمية إلى الدعوة للحاق بركب التقدم ، إذ أنه و إثر إنعقاد مؤتمر القمة العربي في الرباط سنة 1974 طرحت فكرة إنشاء منظمة عربية للبحوث (16) إيمانا بأن كل شيء ينطلق من " العلم " ولعل هذا ما ذهب إليه محمد تومي الشيباني الذي رأى بأن العلم هو المبدأ الذي " ينبغي أن ترتكز عليه النظرية السياسية العربية و التي يعتبر بناؤها في مقدمة أهداف التنمية السياسية العربية " (17).
و انطلاقا من هذا المبدأ الأساسي فقد كانت لدعوة تحديث الصناعة العربية و إعطاء الأهمية لجودتها بالإعتماد على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيات المعاصرة هو ترسيخ لهذا المفهوم الذي يطابق في حد ذاته مثال ما قطعته الشركات العربية في ضمان جودة صناعة الحديد و الفولاذ و بالإعتماد على نظام الإيزوا9000*** حيث مكنها من منافسة السوق الدولية .
وقد بين المهندس محمد خميس خزندار بأن الصناعة العربية تدرك بالدرجة الأولى بأن عملية " مواجهة التحديات تتطلب فهم و تحليل المتغيرات العالمية ومدى تأثيرها على مستقبل هذه الصناعة " (18) .
هذا ، وكما يطرح عبد المنعم السيد علي وجها آخر من الوحدة العربية بحيث يرى بأنه لإقامة تنمية مشتركة لا بد من التعجيل في إجراءات التكامل النقدي بالنسبة لدول الخليج دون الإنتظار لمدة طويلة (19) إلا أن هذا الشكل من الوحدة و إن كان إيجابيا للدول التي اقترحها عبد المنعم إلا أنها تقتصر على وحدة إقليمية و لا تضم كل الدول العربية ، وقد تجسد هذا الشكل من الوحدة كذلك في دول المغرب العربي بيد أنه اتخذ صورة أخرى من التكامل الإقتصادي كالإتفاق الذي جرى بين الرئيس هواري بومدين و الملك المغربي حسن الثاني سنة 1969 (20) و إثر تشكيل لجنة جزائرية مغربية تسهل التبادل التجاري للمنتوجات الصناعية و الزراعية بين البلدين .
ولم يقتصر هذا النوع من الإتفاقيات على دول المغرب فحسب بل كان فيه ما يسمى بتنظيم تجارة الترانزيت (ه) الخاصة بالإتفاقيات التجارية للتعاون الإقليمي بين كل من " السعودية و مصر والعراق و الأردن و لبنان و سوريا ثم الكويت " (21) وذلك منذ سنة 1953 ، و الشكل الآخر الذي يمكن فرضه في استراتيجية التنمية العربية المشتركة و الذي أعطاه العديد من الأخصائيين الأهمية في أولوية التقدير ، ألا وهو النفط حيث يقترح خالد أبو القمصان وضع برنامج خاص لاستغلاله علما أنه يشكل مصدرا للدخل القومي للدول العربية و بالتالي فإن عوائده المالية (و) " تصب في خزائن دول الغرب " (22) على حد تعبير أبو القمصان ، بينما يرى أحمد كنوني عمروش أن الإعتماد على عوائد النفط يشكل مشكلا بالنسبة للتقدم التنموي للدول العربية حيث يخلق ذلك اختلال التوازن بين العائد النفطي (ي) و باقي الموارد الأخرى ناهيك عن اليمن التي تعتبر من الدول الغير المنتجة للنفط و هذا التباين الإنتاجي سيحدث خللا في المسار التنموي علما أن " السعودية تمثل حالة خاصة إذ تصدر ثلثي ما تصدره دول المنطقة ... حيث تأتي كل من الكويت و قطر و عمان بانتاج ضئيل نسبيا " (23).
ونفس الأمر شملته وحدة دول الإمارات العربية المتحدة (24) باعتماد اقتصادها على البترول بينما تأتي الصناعات الأخرى في المرتبة الأخيرة (25) و بالتالي فإن إيجاد مشروع عربي مشترك يتطلب بذل الجهود المتبادلة بين الدول العربية حيث لا تكفي الوحدة الإقليمية و لا ما يسمى بالقومية و الأكثر من ذلك فهذا المشروع يتطلب خبرات فنية مؤهلة تأهيلا تضمن من خلاله التدبير المالي الحسن .
هذا ، و كما تحد من الإختلال في التوازن الصناعي و الإقتصادي و كيفية استخدام هذه الموارد إستخداما كفؤا لضمان نجاح تنمية عربية مشتركة.
3/ إشكالية الإستثمارات الأجنبية داخل الوطن العربي :
عرف مفهوم الإستثمار منذ عهد الإصلاحات الذي شهدته الدول العربية خاصة في عهد محمد علي في القرن 19 م و الذي " خصص مصادر الدخل الأساسية لمشروعات البناء و أعمال الري و المصانع ..." (26) بحيث يعرف الإستثمار على أنه :" يشير إلى كل عنصر من الأصول المستثمرة من طرف مواطني و شركات أحد الطرفين المتعاقدين على إقليم و طبقا لتشريعات الطرف المتعاقد الآخر " (27) .
و إنطلاقا من هذا المفهوم فإن الإستثمار يعد كمشروع حديث إتخذ بعد فترة تصاعد المد التحرري و نهاية الإستعمار التقليدي شكلا آخر فأحيل المجال للدول العربية المستقلة و من خلال مفهوم التفتح على العالم الخارجي لتنميتها المستقبلية و في إطار الإستثمارات الأجنبية ، إذ تبين التقارير العربية أن هذا المفهوم قد تبلور في تشكيل هيئات عليا للإستثمار تزاول دراسة و تنفيذ هذا المشروع كالتي تمت في جمهورية العراق و على رأسها هيئة التخطيط (28) و هي بذلك تعد كخطوة أولية لدى هذه الدول المحتضنة لهذا المشروع خاصة و أن الوطن العربي لا يدفع باقتصادياته إلى الأمام في نظر البعض إلا من خلال شبكة معقدة من الشركات المتعددة الجنسيات (29) ولعل هذا ما يجعل الطاقة الإقتصادية العربية للإستثمار محدودة خاصة و أن هذا ما ينجر عنه ما بينته حكمت شريف النشاشيبي من مخاطر الإستثمارات المالية و المتمثلة في تضخم و تقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية (30) بحيث أن الإستراتيجية المعمول بها لدى هذه الهيئات السابقة الذكر تؤسس لإعداد مؤسسي تنموي و تعمل على إصلاح القطاعات الإقتصادية و من هنا فإن تدخل البنك الدولي للإنشاء و التعمير عمل على ترسيخ هذه القواعد الأساسية و من خلال ما تبينه التقارير السنوية (ن) حيث ترى مجملها أن من إستراتيجية هذا البنك هو " الإستجابة لإحتياجات هذه البلدان حيث وافق مجلس التنفيذ لسنة 1999م على تمويل يبلغ 54 مليون دولارمن الصندوق الإستنمائي لغزة و الضفة الغربية " (31) بحيث تجدر الإشارة هنا أن هذه التمويلات تقدم على شكل قروض إلا أن ما يمكن أن نطرحه هنا و من خلال تحليل هذه التقارير السنوية هو ما طرحه ريمون برتران (32) الذي يرى بأن هذه القروض من غير الإجازة اعتبارها كمعونة و إنما تعد استثمارا عاديا تترتب عليه مخاطر أعظمها هو عجز الدول النامية على الحصول على ما يوازي القروض الممنوحة لها فتسقط بالتالي في وابل المديونية هذا ما يترتب ما بينه فاروق النبهان من الآثار السياسية و هي ضمان الدول المقرضة السياسة الإستغلالية و بطرق استعمارية مباشرة (33) و في خدمة مصالحها الإقتصادية خاصة .
و لا تقتصر هذه الآثار على المجال السياسي فحسب بل من المخاطر الأخرى أنها تتعدى المجال الفكري و الروحي لهذا كان مبدأ " العلم " الذي أشرت إليه سابقا كأول مبدأ لمحاربة التبعية الأجنبية و ضمان السير التنموي الحسن و الفكرة التي تبنى على هذه النظرية تجسد ما قاله ابن خلدون في " أن المغلوب مولع أبدا في الإقتداء بالغالب و السبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها و انقادت إليه " (34) ، و رغم تعدد الأوجه السلبية لهذه الإستثمارات إلا أننا يمكن أن نعطي لهذه الأوجه نظرة إيجابية و ذلك بالتحدي و المواجهة و العمل على أساس تبادل الخبرات في جل المجالات العلمية و التكنولوجية و هكذا نطبع هذا المشروع بخاصية " الأخذ و العطاء " لا بالإستغلال و التميع حتى لا نكون على ريع من أمرنا.
قضية البنوك الربوية
تأتي المنشآت المالية (ك) على قمة المؤسسات التنموية و هي تتمثل في البنوك (س) و الأسواق المالية و يشمل محور التعامل فيها بالنقود (ص) هذه الأخيرة التي عادة ما تتكون من " خصوم الحكومة (ق) أوراق البنكنوت (غ) و العملات المعدنية (ظ) التي أصدرتها ... و بالتالي فهي تلقى قبولا عاما في التبادل " (35) حيث عرفت الدول العربية كيفية التعامل بالنقود منذ أن كانت تحت نظام الحكم العثماني حيث كانت تضرب بدار السكة (ط) سنة 1817 م و كانت العملات الأجنبية تتداول (ث) في الأسواق خلال هذه الفترة كما اشتهر الدرهم الناصري في المبادلات التونسية الجزائرية " (36) .
و يقسم ابن خلدون النقود إلى نقود نظرية و التي تحسب على الورق لغرض الزكاة و تقدير ما يمكن تقديره و نقود واقعية و التي تتمثل في " الدراهم و الدنانير التي تضرب فعلا في كل دولة " ( 37 ) .
و لقد أثار نظام التقنيات المصرفية البنكية في العالم العربي جملة من الإنتقادات بين الإحتجاج و الرفض و التأييد فكان أن طرحت مسألة البنوك الربوية و اللاربوية و أثر ذلك على التنمية العربية لدى العديد من الأخصائيين الماليين و الفقهاء بحيث يبرز حسن بن منصور مجموعة من الآراء الفقهية للمالكية و الحنفية و الحنابلة و التي اتفقت على أن يكون البنك كمجرد وسيط بين المودع و المستثمر بحيث لا يجوز له الربح إثر توسطه بينهما ، وصارت هذه الفكرة تطبق منذ إنشاء أول مؤسسة مصرفية في الجمهورية المصرية مع سنة 1963 م بحيث " أنه لم يعلن صراحة عن وجهه الإسلامي ، و سميت ببنوك الإدخار المحلية " (38) و يعود سب هذا التصريح حسب تصريح منشئه " أحمد النجار " حتى ليتم نجاح هذه التجربة خاصة و أن هذا البنك كثيرا ما أمضى اتفاقيات مع ألمانية و رغم معارضة هذه الأخيرة للفكرة السابقة الذكر إلا أن هذه المؤسسة المصرفية وظفت العديد من المشاريع الإستثمارية بدون فوائد و إن كانت قد نجحت بعض البنوك في تسيير أهدافها بتطبيق الشريعة الإسلامية وفقا لمبادئها و أخلاقها الإقتصادية إلا أنه كثيرا ماكانت تستعمل الحيل القانونية و بطرق غير مباشرة لتحطيم هذه المبادىء التي طالما سعى الكثير من أجل تحقيقها و الحفاظ عليها ولذلك يحذر علية نصر الدين من الوقوع في تلك الحيل و التي أبرزها من خلال آراء رجال القانون (ء) الذين يقسمون هذه الحيل إلى نوعين ، حيث يكمن هذا النوع الأول في إمكانية بيع صاحب المال ربحه مقابل مبلغ يحقق له الفائدة بنسبة 10 بالمائة بينما يتعلق النوع الثاني في عقد يسمى المخاطرة و التي تتمثل في ضمان رهن بربا فاحش(39).
لذلك كان من الأمكن القول بأن إقامة نظام مصرفي وفق مبادىء الشريعة الإسلامية هو تحطيم لنظريات التجبر و الطغيان بحيث أدلى يوسف العظم تجاه ذلك بمجموعة حقائق تحتكم لها قواعد الإقتصاد الإسلامي و من بينها الإقرار بالألوهية وفق هذه المبادىء و تطبيق ما صدر منها من أحكام" لتتساوى في نظره كل الرؤوس " (40) فاجتمعت لإثبات حقيقة فكرة التعامل من دون الفوائد الربوية مجموعة من آراء المحللين الماليين كان على رأسهم أحمد عبد العزيز النجارالذي أوجد حلا لإشكالية التنمية المصرفية في خضم تسيير البنك وفق هذا المشروع الذي اعتبره إنمائي في حد ذاته ما دام أنه " يهدف إلى كل ما فيه قوة المجتمع " ( 41 ) و بالتالي أرى أن هذه القوة تستمد طاقتها من العدل و الإلتحام و هي عنصر فعال في التنمية الإقتصادية مادام المبدأ القرآني قد حرم الربا و أحل البيع ، فهذا الأخير يكفي في التحصيل على ماطرحه عبد المجيد المزيان من خلال تحليله للنظريات الإقتصادية الخلدونية على أن أساس رقي الدولة يكمن في الصناعة " و التجارة
على الخصوص لأن مكاسبها أنمى المكاسب " (42) و لعل ما قطعته السوق المالية السودانية من أشواط عظيمة في تحويل سياستها المصرفية باعتماد القوانين الإسلامية هو تجسيد لهذا الطرح الذي سبق ذكره ، و تجسد تطبيق هذا المشروع في لبنان الذي لاقى تفكيرا جادا من أجل تحقيقه (43) إلا أن هناك من المصاريف العربية من تستبعد تطبيق هذا المشروع باعتبار أن تعايشها مع بقية البنوك الربوية التي تنتشر بشكل كبير ليس بالأمر الهين إذ في منظور البعض أنه يستعصى تكيفها مع سياسة الإستثمار و تحديد أهم الأهداف الإستراتيجية وفق نظام عالمي موحد يسير وفق ما يسمى بالعولمة إذ يعد تأسيس " مجموعة ناتكسيس " (&) المصرفية الفرنسية بالجزائر في سنة 1999 سبيلا لتبادل الخبرات التقنية حسب ما أعرب عنه محافظ بنك الجزائر حاج ناصر ، الذي أورد عبارة تكلمه كمستثمر " بمنطق حصص السوق " (44).
هذا ، و كما أن السياسة المصرفية التي اتبعتها قطر تعود مباشرتها إلى التأثر بالمصارف التجارية البريطانية التي احتكرت تسيير النظام المصرفي في قطر إلى غاية سنة 1954 و رغم استقلالية هذا النظام فيما بعد إلا أن الخطوات التي أصبغها مصرف " ستاندرد تشارترد " البريطاني السابق أفرزت " بفتح فروع مصارف تجارية " ( 45 ) و بحكم أن بعض القطاعات المصرفية تواكب في تطورها الإتجاه الحكومي كالذي اتجهه القطاع المصرفي للبحرين في تأكيد مبدأ السوق الحرة خاصة أثناء حدوث أزمة الخليج التي أدت فيما بعد إلى ارتباطها بوحدات مصرفية خارجية تضع في مفهوم تسييرها البنكي سياسة إنمائية لتخطي الأزمة فحسب " و قد بلغ عدد هذه الوحدات منذ سنة 1991 ، 47 وحدة مصرفية خارجية " ( 46 ).
هــــــــوامــــــــــــــــــــش:
1- Seyfttin gursel – l’empire ottomane face au capitalism – edition 1987 – paris – page 115.
2- وردت العبارة باللغة الفرنسية كالآتي :
« toute une bureaucracie « Robert mantrant – histoire de l’empire ottomane – édition – 1989 – lille – page 189
3- Robert mantrant – que sais je ? histoire de la turque – troisiéme édition – 1968 – paris – page 67.
4- * هو ابن السلطان أحمد الأول حكم في فترة 1640 – 1648 م ، خلع ثم خنق حسب ما ورد عند : محمد فريد بك المحامي – تاريخ الدولة العلية العثمانية – ط6 – 1988 – ص 777.
5- André clot – Soulimane le magnéfique – édition 1983 – paris – page 103.
6- M. M . Alexandrescu dersca bulgaru – les provinces arabes et leur sources documentaires – 1984 – Tunis – page 75.
**- و تعني سليمان العظيم .
7- تاريخ الدولة العلية العثمانية – ط1 – 1988- بيروت – ص 13.
8- محمود السيد – تاريخ الدولة العثمانية و حضارتها -1999 – الإسكندرية – ص 169.
9- عبد الؤوف سنو – النزاعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية – ط 1 – 1988 – بيروت – ص 31.
10- عد في تفسير هذا القانون إلى : عبد القادر حلوش – سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر – ط 1 – 1999 – الجزائر – ص 174 – و يتناول أيضا التشريع المالي لمرسوم 1892 في الصفحة 173.
11- أزمة الخمور بالجزائر و انعكاساتها الإجتماعية و السياسية ( 1924 – 1936 ) – من إشراف صم منور – 1977 – وهران – ص 8.
*** - يقابله في انعكاساته السلبية على مؤسسات الدولة الإقتصادية و يعاكسه في المعنى الإصطلاحي إذ يقصد بالأول تزايد الإنتاج بالنسبة للقدرة الإستهلاكية حسب مابرز عند " عبيد أحمد " و يقصد بالثاني إنخفاض القدرة الشرائية للمستهلك حسب ما برز عند يوسف شبل في الرجع اللاحق.
12- قضايا التنمية و التحديث في الوطن العربي – ط 1 – 1983 – دار الآفاق الجديدة – بيروت – ص 685.
13- وردت العبارة عند : محمد بومخلوف – التحضر ( التوطن الصناعي و قضاياه المعاصرة ) – ط1 – 2001 – الجزائر – ص 133.
14 – ورد الخطاب عند : م. الميلود – ذكرى تأميم المحروقات – مجلة الجندي – العدد 258 – 2002 – الجزائر – ص3.
****- تنبغي الإشارة إلى أن البترول الجزائري اكتشف في سنة 1956 م عن طريق التنقيبات الفرنسية بالقرب من الحدود الليبية بحاسي مسعود ، راجع هذا القرار عند : م. الميلود – مرجع سابق – ص 4 و ص 5.
// - إرتكزت تنمية هذا النوع من المخططين على إعداد استراتيجية تهدف إلى تنمية كل القطاعات بما فيها الري و الصحة و السكن بالإضافة إلى التأهيل و التكوين المهني و التقني .
// - يتجلى ظهورها مع التخلي على الإيديولوجية الماركسية حيث طالبت كل من جمهوريات البلطيق بالإستقلال سنة 1990.
// - تجسدت نهايتها في مؤتمر مالطا سنة 1989 م بلقاء كل من الرئيس الأمريكي بوش و السوفياتي غورباتشوف .
// - تتمثل هذه القطاعات في النقل و السكن و السياحة والتجارة و المؤسسة المحلية و الأشغال العمومية فيما أقصي تطبيق هذا المشروع على الموانىء و المطارات حسب ماورد في علبة الأرشيف رقم 1 / 500 و الخاصة بالخوصصة – عد إلى مصلحة توثيق جريدة الجمهورية الجزائرية لولاية وهران.
// - عد إلى أرشيف الولاية :
E . Guy – le commerce Algériénne .
15- عد إلى إبراهيم سعد الدين و آخرون – التنمية العربية – ط 1 – 1989 – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – ص 176 .
16 – عد في شأن هذا الموضوع إلى : أسامة أمين الخولي – تأملات في تجربة التنمية العلمية التقانية – دراسات في التنمية العربية – ط 1 – 1998 – مركز دراسات الوحدة العربية – ص 317 و ص 318 .
17 – التربية و التنمية في المجتمع العربي – 1985 – الدار العربية للكتاب – تونس – ص 350.
// - " الإيزو " هو نظام إقتصادي دولي يعمل وفق تقنية حديثة من أجل تحقيق الإنتاج الأمثل للمواصفات القياسية الأروبية و العالمية .
18 – عد إلى : محمد خميس خزندار – ضمان الجودة في صناعة الحديد ... لمواجهة تحديات القرن 21 م – مجلة الصلب العربي – العدد 260 – 1996 – الإتحاد العربي للحديد و الصلب – ص 30.
19 – أنظر أهم الصيغ المختلفة للتكامل النقدي في " الوحدة النقدية العربية " – ط 1 – 1986 – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – من ص 144 إلى ص 148 .
20 – أنظر أهم مجالات و أسس التعاون الجزائري المغربي عند : إسماعيل العربي – التنمية الإقتصادية في الدول العربية – ط 2 – 1980 – الشركة الوطنية للنشر – الجزائر – من ص 42 إلى ص 44.
// - يعتمد نظام تجارة الترانزيت على تخفيف التعاريف الجمركية .
21 – أنظر حول شروط إتفاقيات هذه الدول و التي تمت من سنة 1953 إلى سنة 1961 عند : عبد الحميد الإبراهيمي – أبعاد العالم العربي و احتمالات المستقبل – ترجمة : مركز دراسات الوحدة العربية – 1980 – الجزائر – ص 126 و ص 127 .
// - يقدر أبو القمصان الفوائض المالية للنفط من سنة 1974 إلى سنة 1990 ب 1840 مليار دولار بالتقريب – أنظر المرجع اللاحق .
22- خالد أبو القمصان – العائدات النفطية و دورها في تحقيق التنمية الإقتصادية للدول العربية – من إشراف : عبد الرحمن فار الذهب – الجزء الأول ( 1991 – 1992 ) – معهد العلوم الإقتصادية و التجارية – الجزائر – ص 93 .
// - أنظر أهم الإحصائيات التي جاء بها أحمد كنوني عمروش في الملحق رقم 5 و الملحق رقم ...
23 – التنمية في الميزان – مركز الدراسات و الأبحاث الإقتصادية و الإجتماعية – 1990 – تونس – ص 85.
(24) و ( 25) – إتحدت في سنة 1971 و هي تتألف من سبع إمارات : أبو ظبي ، دبي ، الشارقة ، عجمان ، أم القيوين ، رأس الخيمة ، و الفجيرة ، وتعتمد على صناعة العلف و الأسمدة ، أنظر تفصيل هذا في : أطلس العالم الصحيح – منشورات دار مكتبة الحياة – ص 6.
26- شارل العيسوي – التاريخ الإقتصادي للشرق الأوسط و شمال إفريقيا – ترجمة : سعد رحمي – ط 1 – 1985 – دار الحداثة – بيروت – ص 351.
27 – الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية – العدد 58 – 2000 – ص 5 و ص 7.
28- راجع التقرير الذي أعدته المؤسسة العربية لضمان الإستثمار – رقم 11 – مناخ الإستثمار في الدول العربية – 1999 – الكويت – ص 178 .
29 – يورد عبد المنعم سعيد مجموعة إحصائيات توضح التباين الذي شهده الإستثمار من خلال هذه الشركات في الوطن العربي – العرب و مستقبل النظام العالمي – ط 1 – 1987 – بيروت – من ص 240 إلى ص 241.
30- أنظر أهم هذه المخاطر في مرجع إستثمار الأرصدة العربية – ط 1 – 1978 – دار الشايع للنشر – الكويت – ص 125 .
// - أنظر إحصائيات هذه التقارير في الملحق رقم 7 .
31 – أنظر التقرير السنوي الذي أعده البنك الدولي للسنة المالية 1999 في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا – 2000 – مطابع الأهرام التجارية – قليوب – مصر – ص 86 .
32 – الإقتصاد المالي الدولي – ترجمة : محمود بهير أنسي – 1975 – دار المعرفة – القاهرة – ص 65.
33- أنظر الآثار المترتبة من القروض الخارجية و الدولية في كتابه المعنون : القروض الإستثمارية و موقف الإسلام منها – ط1 – 1989 – دار البحوث العلمية للنشر – الكويت – ص 309 و ص 310.
34- وردت هذه العبارة عند : سميح دغيم – موسوعة المصطلحات الإجتماعية و السياسية في الفكر العربي و الإسلامي – ط 1 – 2000 – بيروت – ص 742.
// - تتفرع المنشآت المالية إلى البنوك التجارية التي تصرف نفقاتها على شكل قروض و المصارف المتخصصة و التي تختص بميدان التنمية و الإستثمار و منشآت التوفير و الإدخار بالإضافة إلى منشآت التأمين و غيرها .
35- « Banco en Italie et en français « Un Banc
هذا هو أصل الكلمة وهي تعني المنضدة التي كان يجلس عليها الصيارفة لتبادل العملات و بالتالي فهي ترمي إلى تعاطي الإقراض و الإقتراض .
// - تجدر الإشارة إلى أن النقود ظهرت بعد نظام ما يسمى بالمقايضة و التي تعني تبادل سلعة ما بسلعة أخرى ، فالنقود في نظر الأخصائيين الإقتصاديين تعتبر ذات " قوة شرائية عامة " .
// - En ce pronence ( liabilities ) .
// - En ce pronence ( Banknotes ).
و البنكنوت أوراق نقدية قابلة للصرف بالذهب
// - En ce pronence ( coins).

35- عد إلى : عبد العزيز فهمي – موسوعة المصطلحات الإقتصادية و الإحصائية – ط2- 1986 – دار النهضة العربية – بيروت – ص 573 و ص 574.
// - كان مقرها بدار القصبة بمدينة الجزائر العاصمة .
// - من بين هذه العملات " الدورو الإسباني ، و الريال الإسباني " و هي كلها عملات إسبانية تنطق على الشكل التالي :
« Dourou , Rial , El Dablan , Ducat , et la Corana «
36 – ناصر الدين السعيدوني – النظام المالي للجزائر في الفترة العثمانية – 1985 – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر – ص 199.
37 – أنظر في شأن هذا التقسيم : سهيل عثمان و محمد درويش – من مقدمة ابن خلدون ( السياسة و الإقتصاد ) – 1978 – منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي – دمشق – ص 91.
38 – أنظر : حسن بن منصور – البنوك الإسلامية بين النظرية و التطبيق – ط 1 – 1992 – باتنة – ص 64.
// - إعتمد علية نصر الدين على آراء كل من شكري قرداحي في مؤلفه القانون و الأخلاق و عبد الرزاق السنهوري في مؤلفه مصادر الحق في الفقه الإسلامي .
39 – أنظر في شرح هذه الحيل للمؤلف ... – موقف القوانين من الفوائد الربوية ومدى مواءمته للشريعة الإسلامية – 1990 – ص 24.
40 – قواعد و أحكام في الإقتصاد الإسلامي – 1985 – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر – ص 20.
41 – أحمد عبد العزيز النجار و آخرون – 100 سؤال و 100 جواب حول البنوك الإسلامية – ط 2 – 1981 – الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية – الجزائر – ص 279.
42 – النظريات الإقتصادية عند ابن خلدون و أسسها من الفكر الإسلامي – ط 2 – 1988 – الجزائر – ص 279.
43 – لقد أجاز البرلمان تطبيق هذا القانون و الذي تم صدوره منذ سنة 1982 ، أنظر في تفصيل هذا عند : صلاح عبد الرحيم أمين
//- تعتبر ثالث مجموعة مصرفية في فرنسا .
44 – أنظر حاورد صادق – مجموعة ناتكسيس الفرنسية الجزائرية – جريدة الخبر – العدد 2583 – السنة التاسعة – 1999 – الجزائر – ص 3.
45 – محمد جاسم عجلان الكواري – السياسة النقدية في قطر – السياسات النقدية في الدول العربية – العدد 2 – من 4 إلى 9 ماي 1996 – سلسلة بحوث و مناقشات حلقات العمل – أبو ظبي – ص 367.
46 – أنظر حول فروع هذا النظام الخاصة عند : محمد عبد المولى – تأكيد مبدأ السوق الحرة خلال أزمة الخليج – مجلة الصياد – العدد 2458 – السنة 48 – 1991 – بيروت – ص 50.
إنجاز: الأستاذة فاطمة الزهراء طوبال(يتبع)

الثلاثاء، 21 يوليو 2009

تســـــــــــــــــــاؤلات

بقلم فاطمة الزهراء طــــــــــــــــوبال
إن البحث عن إمكانية تحقيق نظام سياسي متوازن يرتبط بمنطلق القابلية الداخلية للإنسان.
هذا النظام الذي إذا وضع ميثاقا دستوريا يحد من تجاوزاته الذاتية و انحرافاته الأخلاقية، يكون قد ضمن وجوده في مجتمع يسير وفق النهج الصحيح، فلو افترضتا خلو المجتمع من أجهزة الدولة كالأمن، فكيف سنتصور هؤلاء الأفراد الذين لا يمكنهم التحكم في نزواتهم الفطرية، و إذا افترضنا انعدام العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فكيف سيخيل إلينا نشوء مؤسسات تحت نظام انفرد بقراراته و ألزمها بلزوم الاستبداد.
كثيرا ما نسمع خطابات تربط الإسلام بالعنف، فكيف نفسر التناقضات التي تربط المسلمين بالإسلام ؟ و كيف نؤسس لنموذج حضاري راقي ركيزته الحوار السليم مادام المبدأ القرآني يقول : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن " سورة النحل، الآية 125.
هل يستطيع العرب أن يرتقون إلى مستوى الموروث الحضاري الفكري الذي خلفه نبينا المصطفى عليه السلام بقوله:
" الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها "، ما هي السبل و المؤهلات التي تحقق لنا ذلك ؟
ما هي أسباب الصراعات و التوترات التي تشهدها الدول العربية باستمرارية لا متناهية ؟كيف يمكننا تخطيها ؟
ألا يمكن أن نجد حلا لإرضاء كل الاتجاهات الحزبية بما فيها المؤيدة والمعارضة للسلطة ؟ألا يمكن أن تكون كل الأحزاب مؤيدة ؟ هل يمكن تطبيق الديمقراطية بمفهومها الصحيح في العالم العربي ؟ كيف ذلك ؟
هل هناك وجود لوحدة حقيقية ؟
هل يمكن إقامة حد للصراع الغربي العربي ؟ و كيف يمكن الحد من أزمة الممارسة السياسية في الوطن العربي ؟